IMLebanon

حذارِ من “لو كنت أعلم” مصرفية! (بقلم رولا حداد)

لا يختلف اثنان على أن ثمة دوراً ومسؤولية على القطاع المصرفي في لبنان أن يضطلع بهما للمساهمة في عملية الإنقاذ المالي والاقتصادي المطلوبة. حتى جمعية المصارف نفسها لم تنكر هذا الأمر وأبدت استعدادها للمساهمة، إنما ضمن رزمة من الإجراءات الإصلاحية التي على الحكومة أن تقوم بها على أن تأتي مساهمة القطاع المصرفي كالخطوة الأخيرة ضمن سلّة الخطوات المطلوبة وليس أولها، على قاعدة أن يساهم القطاع المصرفي في العملية الإنقاذية، لا أن يتولى تمويل استمرار فساد السلطة السياسية!

ولكن ثمة فرق شاسع ما بين أن يباشر المسؤولون المعنيون في الحكومة سلسلة اجتماعات مع المسؤولين في القطاع المصرفي ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للتشاور والتنسيق بهدف الوصول إلى المساحة المشتركة بين ما هو مطلوب من الحكومة ومجلس النواب وما هو مطلوب من المصارف بقيادة مصرف لبنان، وبين أن يحاول الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أن يصدر ما يشبه “أمر اليوم” إلى القطاع المصرفي تحت طائلة التهديد والوعيد و”إلا فعلى الحكومة ومجلس النواب أن يتحملا مسؤولياتهما!”.

يتناسى السيد نصرالله أنه تحت العقوبات الأميركية المشددة في حين أن القطاع المصرفي في لبنان هو جزء من النظام المصرفي العالمي الذي تشرف عليه بشكل أو بآخر وزارة الخزانة الأميركية، وأن أي تدخل من “حزب الله” الذي هو بالنسبة إلى الأميركيين “منظمة إرهابية” في عمل القطاع المصرفي في لبنان أو أي محاولة إملاءات على هذا القطاع يعني في ما يعنيه لا سمح الله تعريض المصارف اللبنانية لخطر العقوبات الأميركية فيما لو تجاوبت مع أي من مطالب نصرالله، بغض النظر عن أحقية أي من مطالبه!

وهنا لا بد من الابتعاد عن السذاجة قليلاً لمحاولة طرح الإشكالية الحقيقية وهي هل يسعى “حزب الله” لتحقيق إنجازات مالية تريح الخزينة اللبنانية أم يبحث عن شيء آخر مختلف؟ وإذا كانت الإنجازات المالية للخزينة هي هدف السيد نصرالله فلِمَ لا يرفع الغطاء عن كل عمليات التهرّب الجمركي والتهريب التي تحصل عبر المرافئ الشرعية وغير الشرعية فتستطيع الدولة تحصيل ما لا يقل عن مليار دولار إضافي سنوياً؟

أما إذا كان السيد نصرالله يحاول أن يمارس التهويل على القطاع المصرفي وعلى مصرف لبنان أيضاً بهدف إيجاد بدائل لتمويله المتراجع نتيجة العقوبات المشددة، سواء من خلال تمويل مباشر أم من خلال محاولة دفع المصارف لـ”التراخي” في تطبيق العقوبات، فإن ذلك يجعل من كلامه الأخير أشبه بـ”عبوة كلامية” تشبه في حيثياتها عبوة “بلوم بنك” الشهيرة في وسط بيروت. ولكن بالنسبة إلى القطاع المصرفي فإن كل “العبوات” الكلامية وغير الكلامية تبقى أقل ضرراً وخطراً من أي احتمال للتعرض لعقوبات أو عزلة مالية دولية، وبالتالي فإن أحداً في القطاع المصرفي ليس في وارد الرضوخ لمطالب السيد نصرالله، وعلى الأخير إن كان صادقاً أن يترك الأمور المالية والمصرفية للحكومة والمسؤولين المعنيين كونه ليس مؤهلاً للتعاطي في هذا الملف بسبب العقوبات الأميركية عليه وعلى حزبه، ولأن أي تدخل له في أعمال المصارف والقطاع المصرفي سيؤدي إلى عكس المرجو منه!

في الخلاصة، إن التعاطي مع القطاع المصرفي ومع مصرف لبنان لا يمكن ولا يجب أن يتم بعشوائية أوارتجال على طريقة “لو كنتُ أعلم”، سواء من “حزب الله” أو من السلطة السياسية، لأن أي خطأ في التعاطي قد يؤدي لا سمح الله إلى هدم الهيكل المالي للبلد على رؤوس الجميع… فحذارِ!