IMLebanon

أنقذوا الاقتصاد من براثن السياسة! (بقلم طوني أبي نجم)

ما يجري اليوم على الصعيدين المالي والاقتصادي من ارتكابات وتقاعس من جميع المسؤولين المعنيين يكاد يصل إلى مرتبة “الخيانة العظمى”!

فالخيانة العظمى لا تعني حصراً “التعامل مع العدو” ضد مصلحة البلد، بل تعني حكماً وأيضاً العمل ضد المصلحة الوطنية العليا والتسبب لا سمح الله بانهياره. واليوم يبدو أن قسماً كبيراً من المسؤولين والأطراف السياسية يدمنون تسخير الوضعين الاقتصادي والمالي خدمة لسياساتهم ومشاريعهم وطموحاتهم السياسية، كما خدمة لزبائنيتهم السياسية، ولو أدى ذلك لانهيار الهيكل على رؤوس الجميع!

في كل الدول المتحضرة تكون السياسة في خدمة الاقتصاد وليس العكس. هذا ما فعله على سبيل المثال الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، حيث سخّر كل شيء في خدمة الاقتصاد الأميركي الذي حقق قفزات نوعية. وإذا كان ترامب ليس معياراً، يمكن تلمّس السياسات الأوروبية بمجملها، من سياسات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سبيل المثال وهمّهما المشترك في محاولة الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران نظراً للمصالح الاقتصادية لفرنسا وألمانيا في إيران، ولكن بشرط ألا يتضارب ذلك مع المصالح الاقتصادية الأوسع والأكبر مع الولايات المتحدة!

أما في لبنان الممعن في الانهيار المالي والاقتصادي، فإن كل المقاربة القائمة للمسؤولين حيال موازنة الـ2019 تبدو كارثية بكل ما للكلمة من معنى، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن أكثرية بين القوى السياسية تصرّ على تسخير الاقتصاد والمالية العامة في خدمة سياساتهم، وهذا ما يجعل هذه القوى ترفض أن تبادر إلى الإجراءات الإصلاحية الجذرية المطلوبة لمعالجة الوضع القائم، ويمارسون هواية التذاكي عبر محاولة معالجة “سرطان فسادهم” ببعض المهدئات والمراهم الموضعية التي لا تنفع بشي!

إن أي موازنة لا تبادر إلى وقف نزيف الكهرباء اليوم قبل الغد هل ليست موازنة إصلاحية.

إن أي موازنة لا تواجه ملفات التهرّب الجمركي والضريبي بشكل واضح ومباشر، في المرافئ والمعابر الرسمية وغير الرسمية هي موازنة لا يُعوّل عليها!

وإن أي موازنة لا تتطرق إلى عناوين محددة لا لبس فيها كالإصلاح الإداري لترشيق الإدارة والتخفيف من أعبائها في الموازنة (حوالى 38% من الموازنة) لا تنفع لشيء ولا تعالج الوضع القائم. ولا تنفع شعارات عدم المسّ بحقوق الموظفين والعسكر للتغطية على الامتناع عن المباشرة بالإجراءات الإصلاحية المطلوبة!

لا يمكن للاقتصاد اللبناني أن ينهض من موته السريري في حال أصرّ المسؤولون على استنزاف القطاع الخاص لتمويل فساد القطاع العام وزبائنيته، ومن غير المقبول بعد اليوم فرض المزيد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة على القطاع الخاص، والودائع من ضمنها، من أجل التهرّب من معالجة الورم الخطير في القطاع العام والامتناع عن إجراء التطهير الإداري المطلوب للإبقاء على الفساد المستشري!

نعم، من غير المقبول بعد اليوم أن يتم تمويل فساد الطبقة السياسية والقطاع العام من جيب القطاع الخاص وودائع المواطنين. المطلوب خطة اقتصادية تبدأ بالإصلاحات الجذرية وتصل حكماً إلى توسيع الاقتصاد وتحفيز القطاع الخاص لأنه الوحيد القادر على إنقاذ البلد، تماماً كما يحصل في كل الدول المتطورة.

يكفينا شعارات فارغة عن “الحقوق” و”المكتسبات” في القطاع العام الذي بات بحجمه أشبه بسرطان يصيب مالية البلد إلى جانب صفقات السياسيين وسمسراتهم، لأن الإصرار على منطق “المكتسبات” سواء للسياسيين أم للموظفين الفاسدين أو الذين لا يعملون سيجهز على ما بقي من مقومات الدولة والمالية العامة المنكوبة.

نعم، حان الوقت لاستئصال السرطان ووقف محاولات مداواته ببعض حبوب “البنادول” التي نراها في موازنة الـ2019 من دون أي نية لإجراء علاج حقيقي في العمق!