IMLebanon

جعجع: رحل البطريرك المبدئي والمتجرد والصلب

فرج عبجي   

رغم الحزن الكبير على رحيل بطريرك الاستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير، الا أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أبى إلا أن يوجه تحية إكبار الى البطريرك الصديق. من عمق بشري المنتصبة على كتف وادي القديسين الى ريفون الشاخصة على حدود البطريركية المارونية في بكركي، علاقة صلبة جمعت بين البطريرك المبدئي الذي رفض الخضوع والاستسلام للإحتلال، وبين “الحكيم” الذي فضّل العيش حراً داخل زنزانة على أن يعيش مكبّلاً على مساحة الوطن. لقد جهد جعجع كثيراً في محاولة ضبط نفسه كي لا يُظهر مدى حزنه على الصديق الذي تجرأ وحيداً في زمن تخاذل فيه كثيرون على استقبال زوجته ستريدا ومئات المناضلين الذين لم يستسلموا وأكملوا المسيرة لتحرير الوطن وخروج “الحكيم” من المعتقل.

“هذا ما حفره في وجداني”

كثيرة هي الألقاب التي يمكن أن يوصف بها البطريرك صفير الذي اعتلى كرسي انطاكية في أصعب الظروف، الا أن جعجع اختصرها بثلاث كلمات قائلاً في حديث الى “النهار” انه “البطريرك المبدئي والمتجرد والصلب”.

وأضاف: “إن الشيء الذي حفره البطريرك صفير في وجداني، هو أنه رجل مبدئي. طوال عهد الوصاية لم يبقَ “شنب واحد” في لبنان إلا حاول استرضاء النظام السوري والتقرب منه لمئة اعتبار واعتبار، بعضهم بهدف الوصول الى مراكز معينة والبعض الآخر كي يكون في مأمن. إلا البطريرك صفير، إذ لم يبقَ “شنب” في سوريا لم يحاول التقرب منه، وحاول النظام السوري المستحيل كي يتقرب منه لكنه لم يقبل وظلّ على موقفه”.

وبكلمات جازمة تعكس اعجاب جعجع بشخصية البطريرك الراحل، قال إن “البطريرك صفير يتمتع بثلاث خصال اساسية. اولاً انه رجل مبدئي ولا يغيّر في مواقفه وفق مصالحه، وثانياً متجرد ولا يهتم لأي مصلحة شخصية او لإخراج أحد من السجن او لتعيين شخص في وظيفة معينة. وثالثاً كان صلباً ولا يتزحزح”. وتابع: “النظام السوري في حينه، وكما دائماً، حكم بالحديد والنار. ومع ذلك لم ينجحوا في اخضاعه وظلّ ثابتاً حتى آخر لحظة من حياته، الى درجة أن بابا الفاتيكان حاول أن يقنعه بزيارة سوريا الأسد في تلك الحقبة ولم يفلح بذلك، ورفض صفير زيارتها. هذه المواقف كلها حفرت في داخلي صورة هذا البطريرك المبدئي والمتجرد والصلب، وهذه عناوين تاريخ الموارنة في لبنان. السياسي عليه ان يكون براغماتياً ولكن البطريرك عليه ان يكون مبدئياً”.

العلاقة بدأت صعبة ثم توطدت كثيراً

بخلاف ما يعتقد البعض أن العلاقة بين الرجلين كانت على ما يرام دوماً، فهي بدأت صعبة وبدأت تتوطد منذ اتفاق الطائف. وأوضح جعجع أن “العلاقة مع البطريرك صفير لم تكن جيدة في بدايتها، ولكن مع الوقت باتت تتحسن شيئا فشيئا الى حين تُوِّجت بالاتفاق معه على نظرة واحدة الى اتفاق الطائف الذي يعتبر نقطة مفصلية في العلاقة المشتركة ومفترقاً حاسماً، وجمعنا ايضاً رفضنا للوصاية التي فُرضت على لبنان”.

وأضاف: “على المستوى الشخصي، هناك فراق يترك أثره فيك أكثر من غيره لمئة سبب وسبب، وغياب البطريرك صفير سيترك عندي شخصيا اثراً كبيراً بعيداً من دوره الوطني الكبير، خصوصاً أن العلاقة التي ربطتني به امتدت لأكثر من ثلاثين سنة بينها 11 سنة تواصلتْ بشكل غير مباشر عندما كنتُ في الاعتقال”.

وأشار الى ان “التعاطي الذي استمر خلال فترة اعتقالي كان اقوى واعمق من السنوات الاخرى بسبب صعوبة الوضع الذي كنا نمر فيه والفراغ الذي كان موجودا على الساحة المسيحية، فهو المرجعية الوحيدة التي كانت تستقبل زوجتي ستريدا والمئات من المضطهدين من رفاقي في القوات اللبنانية وتستقبل كل طالب حاجة”.

“خسرنا صديقاً وربحنا مدماكاً جديداً”

وعن حجم الخسارة الكبيرة برحيل البطريرك صفير على الصعيدين الوطني والمسيحي، اعتبر جعجع أنه “بنظر ربنا والكنيسة، الكرسي البطريركي أصبح له عملياً 1600 سنة وبتسميات مختلفة، في مسيرة النضال والشهادة. صحيح خسرنا البطريرك شخصاً وصديقاً، لكن تاريخ الكنيسة وتاريخ لبنان سيستمران على هذه الثوابت التي بدأها بطاركة أبطال قبل البطريرك صفير وأعاد هو تثبيتها وترسيخها معطياً أمثولة للأجيال المقبلة كي تقتدي بها، ورغم خسارتنا الكبيرة لصديق كبير، ربحنا في المقابل مدماكاً جديداً في تاريخنا في الاتجاه الصحيح الذي يؤدي في نهاية المطاف الى بناء وطن جدّي في لبنان”.