IMLebanon

كيف تعالجون الغيرة بين الأشقاء؟

كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:

غالباً ما نشكو من مشكلات غيرة أخوية في عائلاتنا، ونحاول معالجتها وكأنّ الأطفال هم الطرف الوحيد المسؤول عن ذلك، لكن لماذا يغار الأطفال من بعضهم البعض؟ مَن هو الطفل الأكثر غيرة؟ وهل نحن كأهل لنا دور في ذلك؟ وهل يمكن تجنّب مستوى الغيرة بين الأطفال أو تخفيفه؟

تشكو لالي، أم لثلاثة أطفال (صبيان) من الغيرة بين أبنائها وتقول: «كلما حاولت إرضاء واحد، غضب آخر، وأنا أسعى جاهدة لتقسيم اهتمامي بينهم على ساعات النهار. ففي الصباح أهتم بالأكبر، وبعد الظهر ألعب مع الصغير، وعند المساء أمنح معظم الوقت للوسطي. إلّا أنّهم غير راضين مع كل ذلك، فدائماً هناك طفل يبكي، وأخ غاضب وأصل إلى مرحلة الضرب، إذ لفتني بأنه يعضّ أخاه كلّما شعر بالغيرة. لم أعد أعرف كيف أتصرف».

أمّا مرتا فقد توارثت شعارها عن والدتها «بحب الزغير تا يكبر والمريض تا يشفى…»، ولا تتقبل أيَّ خرق له، فهي تمعن في تدليل ابنتها الصغرى (سنتين)، ولا تبذل أيَّ جهد يذكر للتخفيف من غيرة ابنتها ريتا (5 سنوات)، وهي تفرض على الأخيرة الإهتمام بأختها، شارحة لها بأنه عليها هي أيضاً اتّباع الشعار المذكور. إلّا أنّ ريتا تعاني من هذا الوضع بشكل واضح وملحوظ، فقد تراجعت في المدرسة وأصبحت تفضل البقاء وحيدة في غرفتها، وقد شرح المسؤولون عنها وضعها لوالدتها.

لا يعاني الأطفال وحدهم من أعراض الغيرة الأخوية، لا بل المراهقون والبالغون أيضاً؛ فكم من علاقة دمّرتها الغيرة لمدى الحياة؟ وليس علينا سوى أن نلتفت حولنا لنلاحظ أمثلة كثيرة على ذلك، خصوصاً في حالة الغيرة المرضية المدمّرة.

أما بالنسبة للأطفال، فيحتاج كل طفل للإهتمام والرعاية والدلال والتركيز على أموره. من هنا نلاحظ ظهور أعراض الغيرة عند ولادة طفل جديد في العائلة، لأنه بطبيعة الحال يستحوذ على اهتمام الأهل، ويأتي ليقاسم من ولد قبله العناية والوقت والأشياء والهدايا. فيشتري الجميع له الثياب واللوازم، وتبقى الأم بجانبه لإطعامه والمحافظة على نظافته والعناية به، وتظهر غالباً على الجميع علامات الحب للمولود الجديد والفرح بقدومه. وأكثر ما يزعج الأطفال هو بقاء الرضيع في العائلة طوال الوقت، وعدم قدرتهم على الحصول على المساحة كاملة بعد الآن.

نتعاطى مع الغيرة الأخوية على أنها أمر طبيعي وتافه، ولا نستطيع تجنّبه. إلّا أنّ لها أعراضاً كثيرة سلوكية وجسدية ونفسية، قد لا تكون بسيطة، كالعدوانية والغضب، ضعف الثقة بالنفس، عدم تقدير الذات، الحزن، الكره، التبوّل اللاإرادي، والتراجع في الكلام بشكل سليم. وتتزايد أعراض الغيرة لدى الطفل الوحيد «الملك»، فيرزق الأهل بآخر بعد سنوات من التدليل والتفرّد بكل شيء.

حتو لو كانت الغيرة الأخوية طبيعية عند ولادة طفل جديد في العائلة، يستطيع الأهل التخفيف من أعراضها من خلال التعاطي الواضح والعفوي والصريح مع بعضهم البعض، ما ينعكس على الطفل تقبّلاً للمولود الجديد، لا سيما من خلال إشراكه بالأمور التي تخص الثاني قبل ولادته، كاختيار الإسم والحاجيات وألوان الثياب وغيرها، ما يشعره بالدور الهام الذي يلعبه، وبأنه فعال بما يخصّ الجميع وغير مستبعد.

كما أنّ مراحل الحمل والولادة وفترة ما بعد ذلك لا يجب أن تسرق اهتمام الأم والأب، بل بالعكس، لا بد من تكريس وقت للطفل الأكبر، لتقديم الطعام له واللعب معه ومساعدته على النوم الذي قد يضطرب بسبب الغيرة. وهنا يبرز دور الأب كتعويض عن حضور الأم، إن في مرحلة الولادة أو فترة الأربعين يوماً بعد ذلك، فيخرج مع إبنه، يحاوره ويلاعبه.

ومن المهم أن ننتبه إلى عدم تغيير العادات التي تعوّد عليها الطفل قبل مجيء شقيقه أو شقيقته، فلا يربط حرمانه من أيّ أمر بالضيف الجديد، بل على العكس، على الأهل أن يستمرّوا بنفس الروتين العائلي مع مراعاة وجود الفرد الجديد في البيت.

يمكن أن نعتبر الغيرة جزءاً من النموّ لدى الأطفال، شرط أن نعي كيفية الوقاية من تضخمها بشكل سلبي، والإنتباه من عدم التمييز والمقارنة بين الأخوة، وإعطاء كل ذي حق حقه من الحب والعناية والإهتمام.