IMLebanon

سلطة تعميم اليأس (بقلم بسام أبو زيد)

فريدة من نوعها هذه السلطة السياسية في لبنان في ممارستها لعدم المسؤولية والعشوائية وقصر النظر.

هذه السلطة وبكل مكوناتها في العام 2018، وبتشريع في المجلس النيابي أقرت سلسلة الرتب والرواتب، ما يعني أنها منحت قسماً كبيراً من اللبنانيين المزيد من القدرات المالية كي يحققوا المزيد من الارتياح في أوضاعهم المعيشية والاجتماعية.

في العام 2019 تحاول هذه السلطة وبالمكونات ذاتها أن تنتزع من هؤلاء اللبنانيين بعض ما منحتهم إياه وبعض ما كان قد توفر لهم من عطاءات من سلطات سابقة تألفت في أكثريتها الساحقة من مكونات السلطة الحالية.

هكذا من دون أي خجل أو ورع ترتكب هذه السلطة الشيء ونقيضه تحت عناوين متناقضة، وأبرزها في هذه الأيام التقشف، غير مدركة أنها توقع المواطنين في حيرة وتفرض عليهم انقلاباً في حياتهم اليومية، رغم أن المسؤولية في ما وصلت إليه البلاد ناجمة عن تصرفات أهل الحكم وممارساتهم، وليس عن مواطنين ذنبهم أنهم ولدوا في دولة ضعيفة لا تعرف كيف تدير أمورها وماليتها وكيف تحافظ على بقائها وتفرض قانونها بعيداً عن المصالح الشخصية والطائفية والمذهبية والحزبية.

لقد اعتاد اللبنانيون على دولة غير موجودة، دولة لا يفقه من فيها معنى المسؤولية والحفاظ على مقدرات البلاد والعباد، فاستباحوا كل شي وحللوا كل المعاصي وأوصلوا الجميع إلى الهاوية من دون أن يرف لهم جفن أو أن يخرج أحد منهم ليقول إنه يتحمل مسؤولية ما حصل.

في الدول التي تحترم نفسها وشعوبها تسعى الحكومات إلى الحفاظ على الاستقرار والأمان لدى رعاياها، وتعمل على تعزيز هذا الاستقرار من خلال المزيد من التشريعات والقرارات. ولكن في لبنان تسعى السلطة إلى تعميم حال اليأس والتراجع، فهي بخطواتها التي تقدم عليها في الحسومات من الحقوق المالية المكتسبة للموظفين لن تصيب فقط العاملين في القطاع العام بل ستمتد لتشمل العاملين في القطاع الخاص أيضا الذي يعاني من الركود والتراجع.

فالعاملون في القطاع الخاص، وبعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ارتفعت أصواتهم مطالبين بزيادة اجورهم، ليجدوا أنفسهم اليوم أمام هجوم معاكس من أرباب العمل مستند إلى سياسة حكومية بحذف المكتسبات في القطاع العام، ليتم وضع العاملين في القطاع الخاص أمام خيارات أحلاها مرّ، تبدأ بالصرف من العمل أو خفض الرواتب أو حذف كامل أو جزئي للتقديمات المدرسية والصحية مثلا أسوة بالقطاع العام.

هكذا يدار لبنان منذ عقود، وهكذا لا ينتفض اللبنانيون منذ عقود أيضاً، وهكذا ستستمر حالنا لأن من أصابنا بالداء يستحيل أن يجد الدواء.