IMLebanon

الدوران ببحث الموازنة في حلقة مفرغة يرفع منسوب القلق

على رغم الهزة التي اصابت الاتحاد العمالي العام جراء الكلام غير الموزون لرئيسه بشارة الاسمر، وفي انتظار ما سيحمله مطلع الأسبوع المقبل من تحركات على مستوى موظفي القطاع العام والمتقاعدين العسكريين والمدنيين وقطاعات أخرى كثيرة إذا ما انضم موظفو المؤسسات العامة المستقلة الى الإضراب، فإن صفحة جديدة مليئة بالمفاجآت قد تفتح في وجه الحكومة التي عجزت على مر جلساتها الاربع عشرة التي خصصت للبحث في مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2019 عن اقرارها بالصيغة النهائية.

مرد هذه التوقعات، توغّل الحكومة في مناقشة ابواب كانت قذفتها الى آخر الجلسات، بعدما شكّلت اولى خطواتها في هذا الاتجاه والتي استهدفت مصرف لبنان والضمان الاجتماعي وبعض المؤسسات الاخرى، بعد المتقاعدين العسكريين الذين واجهوا بردود فعل سلبية في الشارع، تهديدا مباشرا وجديا لمسار العمل في المؤسسات المالية الكبرى والصحية والاجتماعية عدا عن اعتبار الحراك الذي قاده المتقاعدون وكأنه بالإنابة عن العسكريين الذين ما زالوا في الخدمة الفعلية.

في هذا الإطار، تكشف مصادر وزارية مطّلعة، لـ”المركزية”، ان على رغم مباشرة البحث في سلسلة المقترحات التي قدمها وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماعات الأخيرة للحكومة، فإنهم لم يفهموا بعد ما الذي أراده منها. فالحديث عن بعض الأبواب التي طرقها طرح باسيل الجديد كان قد أقفل أكثر من مرة. وقد تعهد رئيس الجمهورية امام المتقاعدين العسكريين بعدم المس بأبسط حقوقهم، ومعه رئيسا المجلس النيابي والحكومة اللذان طمأنا مصرف لبنان إلى أن الدخول الى حرمه ونظامه الداخلي وخصوصياته لن يحصل وأن السعي الى استعادة حقوق الضمان الاجتماعي لن يتوقف، وكل ما يجري في الجلسات الأخيرة للحكومة ينسف كل هذه التعهدات.

لذلك سأل احد الوزراء الذي سجل امتعاضا من اعادة البحث بسلسلة رواتب الموظفين: من يدير الحكومة، نود ان نعرف؟!

وتعتبر المصادر ان الرئيس الحريري سبق الوزراء في شكواه من المماطلة في مناقشات الموازنة، لكنه لم يعبّر عن ذلك الا في إشارتيه في الخطابين الأخيرين في حفلي افطار العائلات البيروتية ورئاسة الحكومة بما قد تؤدي الى بق البحصة في وقت قريب. فهو، وإلى رفضه المماطلة، عبّر عن الغضب بأنه لن يسمح بأن تضيع الفرصة هذه المرة، وأن البت بالإصلاحات المطلوبة التي تقود لبنان الى بلوغ مليارات “سيدر” الأحد عشر، بات امرا واقعا وفق البرامج الموضوعة لها.

وعليه تقول المصادر الوزارية إن وفي حال لم يتغير اسلوب العمل في الجلسات الوزارية فقد تمتد المناقشات الى ما لا نهاية، وإن الأمور لن تقف عند البت بها في الحكومة بقدر ما ستلقي الطروحات الجديدة من مسؤولية اكبر على مجلس النواب الذي سيدرس مشروع الحكومة على وقع التحركات الاحتجاجية للموظفين الذين وإن بلغت “الموسى” رقاب رواتبهم لن يبقوا بمنأى عن كل مظاهر الاحتجاج. فهم يراهنون بأن المجلس النيابي، على رغم احتضانه الكتل النيابية المتحكمة بالحكومة، سيكون ارحم وسيعيد النظر بالكثير مما هو مطروح من مكتسبات، طالت السنوات لتحصيلها.

امام هذه الصورة الحافلة بالتناقضات، ثمة من لا يزال يعطي الأهمية الى عملية توزيع أدوار نسجت بدقة بين المسؤولين، أطراف ما يسمى بالتسوية السياسية، وتقول المصادر، في السياق، ان الأخطر هو ان الحكومة التي لم تضمن الى اليوم الحد الأدنى من التضامن بين مكوناتها في القرارات الكبرى، ما زالت منقسمة بين رؤيتين للموازنة، وأن في قدرة كل طرف الدفاع عن وجهة نظره بقوة وهو ما يقود الى انقسام عمودي بين اهل السلطة تزيد منه الاستحقاقات الإقليمية والدولية الضاغطة على لبنان حدة وخطورة. فكل ما يجري في المنطقة يترك انعكاساته على لبنان، وما على اللبنانيين سوى اقفال ابواب الداخل امام رياح الخارج وهو أمر غير متاح الى اليوم على ما يبدو.