IMLebanon

بلد عنوانه الضياع! (بقلم رولا حداد)

نعيش في لبنان على وقع ضياع غير مسبوق على كل الأصعدة وعلى كل المستويات. ربما لم يسبق في التاريخ الحديث للبنان، ولا لأي وطن فيه الحد الأدنى من مقومات الدولة، أن مرّ في حال ضياع ولامسؤولية كالتي نعيشها في لبنان، والأمثلة أكثر أن تُعدّ أو تُحصى، حتى بات وصف “المزرعة” في لبنان لا يفي لوصف حال “برج بابل” التي نعيشها، سواء على مستوى المسؤولين أو حتى على مستوى المواطنين!

وإذا كان التجاذبات السياسية طبيعية في أي بلد يعرف الحد الأدنى من التنوّع الطائفي والسياسي، وإذا كانت التجاذبات السياسية طبعت لبنان منذ نشأته وحتى اليوم، فإن حال الضياع واللامسؤولية التي يعيشها المسؤولون على الصعد المالية والاقتصادية تفوق أي وصف، ومناقشة موازنة الـ2019 مثال صارخ عمّا نقول!

الطريف في ما نتابعه من نقاشات أن كل مكونات الحكومة في لبنان، والتي تشكل السلطة التنفيذية، تعتبر نفسها في وقت واحد أنها السلطة وأنها المعارضة، وكل طريف يريد أن يحصد مكاسب السلطة من مشاركته في الحكومة والحكم وأن يجني شعبية المعارضة في الوقت نفسه!

من هذا المنطلق يمكن فهم أسباب اللامسؤولية والشعبوية الصارخة في نقاشات الموازنة. فداخل الفريق السياسي الواحد ثمة من يطالب بـ”إجراءات موجعة وغير شعبية” كما ثمة من يرفع الصوت شعبوياً لـ”عدم المسّ بالمكتسبات”. والحكومة ككل ضائعة ما بين ضرورة اتخاذ إجراءات إصلاحية وما بين رغبتها بالحفاظ على القطاع العام بحجمه الفاقع لتمويل مكناتها الحزبية والسياسية ولو أصلنا ذلك الى الانهيار التام!

حتى في المضمون بات واضحاً أن القوى السياسية مجتمعة لا تسعى نحو إصلاحات جذرية في الموازنة وفي وضع رؤية اقتصادية ومالية جديدة للمرحلة المقبلة، بل تريد الاكتفاء ببعض المساحيق التجميلية التي لا تُغني ولا تثمن ولا توقف الفساد ولا الهدر ولا الانهيار سعياً لإرضاء بعض الجهات الدولية للحصول على مزيد من القروض والإمعان في الهدر!

أما على الصعيد الشعبي فحدّث ولا حرج في مجتمع “يثور” الكترونياً على كل شيء باستثناء ما يصيب مستقبله وجوهر مصالحه لا تنفيعاته! وحتى الإضرابات والاعتصامات والاعتراضات التي نراها على الصعيد النقابي لا تهدف إلى حماية الدولة والخزينة من السقوط، بل تسعى لمجرّد الحفاظ على بعض “المكتسبات” التي ستنهار حكماً مع الانهيار المالي والاقتصاد المرتقب لا سمح الله!

هكذا لم نشهد تظاهرات أو اعتصامات للضغط لإجراءات الإصلاحات المطلوبة أو لوقف الفساد والهدر، بل تكتفي أشباه النقابات الموجودة بتحركات لمحاولة الحفاظ على بعض “التنفيعات” التي تندرج في “رشاوى” سابقة دفعتها السلطة السياسية للحفاظ على مكتسباتها هي لا على مصلحة الدولة والمواطنين!

هكذا يسير لبنان في رمال مالية واقتصادية واجتماعية متحركة من دون أي أفق للإصلاح وللنهوض الاقتصادي في دولة أدمنت الإفلاس ومسؤولوها يمعنون في المزيد من الحفر نزولاً نحو قعر لا يعرف نهاية!