IMLebanon

قمة مكة: لبنان في عين الرصد العربية

مرة جديدة تخضع سياسة النأي بالنفس لامتحان دولي واقليمي تضعها أمامه التطورات الدولية المتسارعة، التي لا يمكن فصلها عن السياسة الأميركية الهادفة إلى تقليم أظافر إيران وتحجيم نفوذها الاقليمي، ما يثير تساؤلات مشروعة عن الموقف الذي سيتخذه لبنان إزاء تسارع المسلسل الدولي الساعي إلى القضاء على حضور الجمهورية الاسلامية، وأذرعها العسكرية، لا سيما منها حزب الله، الحاضر في الحكومة ومجلس النواب، والحليف التاريخي الأول لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والذي بدا داعمه الأول في معركته الرئاسية الطويلة.

وفي قراءة للصورة الاقليمية التي يبدو لبنان- على رغم غرق حكومته في أرقام الموازنة ونقاشاتها- في صلبها، تلفت مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” إلى أن في وقت يترقب المجتمع الدولي القرار الايراني في شأن احتمال العودة إلى طاولة المفاوضات الدولية حول الملف النووي بعد انسحاب الادارة الأميركية منه،  ما لبث الصراع أن تحول ميدانيا بما يهدد بانتقال الحل من الفضاء السياسي إلى العسكري، وهو ما تلقف إشارته الخطرة وتداعياتها غير المحسوبة النتائج، العاهل السعودي الملك سلمان بن عيد العزيز، فدعا إلى قمتين إسلامية وعربية تعقدان في أواخر الشهر الجاري تخصصان لبحث الموقف الواجب اتخاذه إزاء احتمالات تنفيذ “صفقة القرن” بعد شهر رمضان واحتدام المواجهة بين طهران وواشنطن في المنطقة، وهي التي لن توفر بتداعياتها لبنان والعراق وسوريا واليمن، باعتبارها المناطق التي تسجل حضورا ايرانيا يهدد مصالح الولايات المتحدة في هذه البقعة من العالم، خصوصا في ما يتعلق بالثروات النفطية، بدليل أن واشنطن وافقت على الدخول على خط المفاوضات بين لبنان واسرائيل في ما يخص البلوكات النفطية، قبل إنطلاق قطار التنقيب.

في هذا السياق،  تعتبر المصادر أن هذه المرة لن تكون المشاركة اللبنانية في الاجتماعين العربيين (وهي مهمة من المقرر أن يتولاها رئيس الحكومة سعد الحريري) كما سابقاتها. ذلك أن المجتمع العربي يتوقع من لبنان تحديدا واضحا لموقفه، لجهة التمسك بسياسة النأي بالنفس، في مقابل التصعيد الايراني الذي يعد محاولة من الجمهورية الاسلامية لاثبات قدرتها على “مقاومة” العقوبات القاسية التي تفرضها عليها الادارة الأميركية، وهو توجه لم يخرج لبنان عليه لإدراكه العواقب الوخيمة التي قد ترتبها أي مخاطرة من هذا النوع. لكنها تلفت في الوقت نفسه إلى أن إذا كانت الدول العربية لا تتوقع من لبنان الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران وحلفائها، فإنها من دون أدنى شك تنتظر منه عدم ابداء دعمه لها علنا على لسان بعض أطراف الداخل من الدائرين في فلك “محور الممانعة والمقاومة”.

ولا تفوت المصادر في هذا المجال فرصة الاشارة إلى أن العين الدولية ترصد بدقة  العهد وقائد سفينته، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. ذلك أن القوى الاقليمية كما تلك العالمية لا تزال تنتظر منه أن يبادر إلى تنفيذ الوعد “الجريء” الذي قطعه قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث أعلن أن الاستراتيجية الدفاعية ستكون على بساط البحث الجدي في إطار حوار وطني تستضيفه بعبدا. وعاد وذكّر به اخيرا وزير الدفاع الياس بو صعب مشيرا الى ان الرئيس عون سيدعو الى هذا الحوار قريبا وتذكر المصادر أن أصدقاء لبنان وحلفاءه راهنوا في ذلك على قدرة عون على اقناع حليفه التاريخي بملاقاته إلى هذا التوجه. غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، بدليل أن حزب الله لا ينفك يبدي تمسكه بسلاحه للمضي في مقاومة اسرائيل (التي تفاوضها اليوم بشكل غير مباشر الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها الحزب)، ويصعّب المهمة على الرئيس عون، ويجعل لبنان تحت المجهر العربي عند كل استحقاق شبيه بقمتي مكة المنتظريتين.