IMLebanon

«صراع الأمر لمَن» بمناقشات الموازنة في لبنان يترك «ندوباً سياسية»

 

لم يعد مهماً في بيروت متى تستكمل موازنة 2019 نصاب إنجازها في مجلس الوزراء في جلسةٍ برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، بعدما بات واضحاً أن «ما كُتب قد كُتب» على صعيد أرقامها وخلاصاتها الحسابية ليبقى الأهمّ ما عبّرتْ عنه الجولات الأخيرة من مناقشاتِ مشروعها في الجلسات التي يترأسها الرئيس سعد الحريري لجهة وجود عوامل سياسية أقربَ إلى «تصفية الحسابات» بين بعض مكوّنات الحكومة جعلتْ «ربعَ الساعةِ الأخير» في مسار إقرارها الأكثر صعوبةً بعدما تحوّل «حقلَ أشواكٍ» يُخشى أن تجرجر ذيولها إلى مرحلة انتقال الموازنة الى البرلمان قبل ان تصدر بقانون.
وفيما بدا السقوطُ المتتالي للمُهل التي حُددتْ لإنهاء مناقشات الموازنة أشبه بـ «مسلسلٍ» عنوانُه «الجلسة الأخيرة» التي أوقعتْ الجميع في «فخِّ» ضرْب مواعيد لبتّ المشروع، يوماً تلو الآخر، وسرعان ما اتّضح أنها «إنذارات خاطئة»، فإنّ أحداً لم يُبْدِ استعداداً أمس لمعاودة الدخول في لعبة تَوقُّع مصير الجلسة رقم 18 التي انعقدت برئاسة الحريري وظلّلها شعار «ما تقول فول تيصير بالمكيول» الذي فَرَضَ نفسه بقوةِ… «التجربة».
فبعد جلسة الثلاثاء التي واكَبَها الإعلام اللبناني على أساس الاستعدادات التي كانت أُعدّت «مَراسمها» لعقد مؤتمر صحافي مشترك في ختامها للرئيس الحريري ووزير المال علي حسن خليل يتحدثان فيه عن أرقام الموازنة والتخفيضات التي تحققتْ (بلوغ العجز نحو 7.6 في المئة الى الناتج المحلي) تمهيداً لجلسة الإقرار برئاسة عون، جاء عدم إطلاق «صافرة النهاية» وإعطاء «وقت إضافي» جديد للمناقشات ليَطْرح أسئلةً كثيرة حول مكمن العقدة الفعلي وإذا كان مجرّد «خلاف رقمي» بين خليل ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل حول رقم العجز المطلوب بلوغه و«الوُجهة الاقتصادية» التي تعبّر عنها الموازنة ككلّ، أم أن الأمر بات ينطوي على أبعاد تتّصل بـ «ترسيم أدوار» الوزارات والوزراء واستطراداً الصلاحيات.
ولم تتوانَ أوساطٌ سياسية عن القول عبر «الراي» إنّ خروج «جمر» أزمة الثقة بين فريقيْ رئيس البرلمان نبيه بري (وزير المال محسوب عليه) و«التيار الحر» (حزب رئيس الجمهورية) مجدّداً الى «فوق الرماد» على خلفيّة الورقة التي تقدّم بها باسيل وضمّنها اقتراحاتٍ حول أبواب إضافية لخفض العجز (يريده باسيل إنزاله الى 7 في المئة على الأقلّ) يكتسب دلالات خاصة، ولا سيما أن استشعار أكثر من طرف بأن وزير الخارجية يسعى من خلال أدائه في الظهور بموقع صاحب «الحل والربط» في مسار الموازنة يضعه على تماسٍ مع «الحساسية الكبرى» التي تشكّلها وزارة المال بالنسبة الى بري (وحليفه «حزب الله») الذي كان عبّر «بالفم الملآن» في مرحلة تشكيل الحكومة عن كون هذه الحقيبة «عنواناً ميثاقياً» بما يعني أنها «التوقيع الثالث» (الشيعي) ومرتكز «شراكة في القرار» داخل السلطة التنفيذية مع المكون المسيحي والسني.
ومن هنا يمكن فهْم صراع «الأمر لمَن» الذي انفجر في الجلسات الأخيرة من المناقشات بين خليل وباسيل وظهر انه يدور حول مَن هو صاحب الصلاحية ليس فقط في وضْع مشروع الموازنة وإدارة دفّته بل أيضاً في رسْم «خط النهاية» حول أرقامه، وهو الصراع الذي أنذرتْ «شظاياه» بأن تصيب موقع رئيس الحكومة الذي يحاول إدارة الخلافات وتفادي استدراج تعقيدات اضافية «من خارج السياق» يمكن أن تعْلق الموازنة في شِباكها في الوقت الذي ينتظر المجتمع الدولي ولادتها لبدء مسار تسييل مقررات مؤتمر «سيدر» ومخصصاته (نحو 11 مليار دولار).
ومن ضمن هذه الروحية الأقرب الى «ديبلوماسية الاحتواء» و«نزْع الألغام» وتَفادي انزلاق الأمور الى تصويتٍ في مجلس الوزراء قد يأخذ الأمور الى منحى آخر ويُظهر وجود انقسامٍ حول الموازنة لن يفيد صورة لبنان أمام الدول المانحة في «سيدر»، دعا الحريري الى اجتماعٍ سبقَ جلسة أمس وضمّ باسيل وخليل ومحمّد فنيش (عن حزب الله) وكميل أبو سليمان (القوات اللبنانية) ووائل أبوفاعور (الحزب التقدمي الاشتراكي) ويوسف فنيانوس (المردة) في محاولةٍ مزدوجة لتبريد المناخات التي انتهتْ إليها المناقشات يوم الثلثاء حين أعلن وزير الخارجية عدم رضاه على ما تمّ التوصّل إليه بالنسبة إلى خفض نسبة العجز،مشيراً إلى ان المطلوب هو الوصول إلى نسبة 7 في المئة، وفي الوقت نفسه السعي لتكون جلسة أمس خاتمة المداولات قبل الإقرار النهائي (في جلسة برئاسة عون).
وعكستْ مواقف ما قبل «اللقاء السباعي» أجواء غير مريحة ولا سيما في ضوء إعلان وزير المال «الموازنة خلصت ولا أعلم سبب هذا الاجتماع»، وإعلان وزير الاشغال يوسف فنيانوس «لا ندري لماذا دعينا الى اجتماعِ لجنة مصغّرة لمناقشة الموازنة بعد 17 جلسة لمجلس الوزراء».
وفي موازاة ذلك، وفيما كان يجري رصد ردّ فعل الشارع إزاء بعض هذه الإجراءات الواردة في مشروع الموازنة، ظهرتْ تفاعلاتٌ سياسية لما رافق تحرُّك العسكريين المتقاعدين يوم الاثنين من تهديد باقتحام السرايا الحكومية وهو ما اعتبرته أوساط قريبة من «تيار المستقبل» (يقوده الحريري) مساساً بموقع رئاسة الحكومة والتلميح الى «قطب مخفية» في ما جرى وصولاً الى اعلان «كتلة المستقبل» أنّ «مقر رئاسة الحكومة ليست أرضاً سائبة لأيّ جهة تعطي نفسها حقوقاً باقتحام المؤسسات الدستورية والتطاول عليها».