IMLebanon

تبرئة سوزان الحاج تشعل سجالات سياسية وقضائية

كتب يوسف دياب في “الشرق الاوسط”:

 

خرج الحكم المخفف الصادر عن المحكمة العسكرية، بحقّ المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، والمقرصن إيلي غبش، في ملف «فبركة جرم التعامل مع إسرائيل للممثل المسرحي زياد عيتاني»، عن إطاره القضائي والقانوني، وتحوّل إلى مادة دسمة للتجاذب السياسي، وهو ما اضطر النيابة العامة التمييزية للتدخل، والنظر في إمكانية الطعن بالحكم وإعادة المحاكمة من جديد.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن المحامي العام لدى محكمة التمييز العسكرية، القاضي غسان خوري، طلب من رئيس المحكمة العسكرية، العميد حسين عبد الله، إيداعه ملف الحاج – غبش، فتلقى جواباً خطياً يفيد بأن الملف أحيل بعد صدور الحكم على مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، فطلب خوري من جرمانوس تسليمه الملفّ للنظر في إمكانية الطعن بالحكم أمام محكمة التمييز، وينتظر أن يتلقى جواباً على ذلك يوم غد الاثنين.

وكانت المحكمة العسكرية أصدرت حكمها في هذه القضية، يوم الخميس الماضي، فأعلنت براءة سوزان الحاج من جرم «التدخل في فبركة ملف التعامل مع إسرائيل للممثل زياد عيتاني، لعدم توفر عناصر الجرم بحقها، بينما حكمت بسجنها مدة شهرين، وغرامة مالية 200 ألف ليرة لبنانية (130 دولاراً أميركياً) بجرم كتم معلومات تتعلّق بهذا الملف». وقضى الحكم بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة ثلاث سنوات بحق المقرصن إيلي غبش، وتخفيضها إلى السجن سنة واحدة، علماً بأن سوزان الحاج جرى توقيفها العام الماضي مدّة 78 يوماً، أي أنها قضت بالتوقيف الاحتياطي مدّة تفوق العقوبة التي حكمت بها، قبل أن يخلى سبيلها من قبل قاضي التحقيق العسكري بكفالة مالية، فيما لا يزال غبش موقوفاً.

وتواصل قيادات في تيّار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، حملتها على القضاء بشكل عام، والمحكمة العسكرية بشكل خاص، وتصف الحكم بأنه «مسيّس»، وذهب بعضها إلى المطالبة مجدداً بإلغاء المحكمة العسكرية. وهو ما أثار استياء وكيل سوزان الحاج نقيب المحامين السابق، رشيد درباس، الذي اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحملة السياسية التي تشنّ على الحكم غير مبررة على الإطلاق، وهي خرجت عن العقلانية». وقال: «كلما حاولنا شرح الطابع القانوني للحكم يردّون بحفلة جنون لا نفهم خلفياتها ومبرراتها».

ورداً على توجّه النيابة العامة التمييزية للطعن بالحكم، أوضح درباس أن «الحكم غير قابل للتمييز، لأن النيابة العامة العسكرية ممثلة بالقاضي بيتر جرمانوس طلبت البراءة، والمحكمة أخذت بهذا الطلب، وبالتالي فإن النيابة العامة قطعت الطريق على إمكانية تمييز الحكم»، مذكراً بـ«ما يسمّى وحدة النيابة العامة، إذ لا يمكن لنيابة عامة أن تعيد النظر بما طلبته نيابة أخرى». ورأى درباس أن «الاعتراض على مطالبة القاضي بيتر جرمانوس بإعلان براءة سوزان الحاج، ليس سابقة في تاريخ القضاء، فقد حصل مثله في المحاكم اللبنانية والمصرية وفي دول أخرى آلاف المرات». وسأل الممتعضين من مرافعة جرمانوس «لماذا تهاجمونه لأنه طلب البراءة لموكلتي، وهللتم له عندما طلب سابقاً منع المحاكمة عن زياد عيتاني؟».

لكنّ ثمّة رأياً قانونياً يخالف ما ذهب إليه وكيل سوزان لحاج، إذ أكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تجيز للمدعي العام أن يقول ما يريد في مرافعته أمام قوس المحكمة، لكن ذلك لا يعني أن مرافعته مقدّسة، ولا يمكن نقضها»، مشيراً إلى أن «جرمانوس شذّ عن القاعدة خلال مرافعته، وأهمل مضمون القرار الاتهامي، وما يتضمّن من أدلة». وتوقّف المصدر القضائي عند حديث درباس عن وحدة النيابة العامة، فأوضح أن «النائب العام التمييزي وحده من يحدد وحدة النيابة العامة، وليس أي مرجع آخر».

إلى ذلك ارتفعت حدّة السجال بين تيّار «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» على خلفية هذا الحكم، خصوصاً بعد الاتهامات التي وجهها قياديون في «المستقبل» إلى وزراء مقرّبين من رئيس الجمهورية ميشال عون، بممارسة ضغوط على المحكمة العسكرية، في إشارة إلى زيارة قام بها وزير الدفاع إلياس أبو صعب إلى هذه المحكمة قبل صدور الحكم. وفي رده قال أبو صعب: «إن زيارتي للمحكمة العسكرية قبل صدور الحكم بيومين جاءت من أجل وقف الضغوط التي يمارسها ضباط شعبة المعلومات على المحكمة». وهو ما استدعى رداً قوياً من أمين عام تيّار «المستقبل» أحمد الحريري، الذي قال في سلسلة تغريدات له، إن «الكلام المنقول عن لسان وزير الدفاع، اعتراف صريح باستخدام موقعه الوزاري للضغط على المحكمة العسكرية، وتبديل وجهة التحقيق في ملف سوزان الحاج». وأضاف الحريري: «وزير الدفاع يقول إنه قصد المحكمة العسكرية لوقف ضغوط ضباط شعبة المعلومات على رئيس المحكمة، أي هرطقة هذه يا صاحب المعالي؟ وأي عاقل يمكن أن يصدق هذه الادعاء المضحك؟ ومن أعطاك أمر الذهاب إلى المحكمة العسكرية؟ وهل يعطيك القانون حقوقاً بتجاوز القانون وقلب الحقائق والتدخل بمجريات تحقيق عدلي؟».

وتوجه أحمد الحريري إلى وزير الدفاع قائلاً: «لقد وضعت نفسك يا معالي الوزير في قفص الاتهام، أنت متهم بتخريب مسار قضائي وتغطية ممارسات قاض متهور، والإساءة لكرامة ضباط لبنانيين ومؤسسة أمنية تقوم بدورها في كشف أوكار العمالة والإرهاب والعفن الكامن في زوايا الدولة».

ورد وزير الدفاع إلياس بو صعب على كلام الحريري موضحاً: «لم نضغط على أحد، بل ضغطنا على من يضغط على المحكمة، وقلنا ممنوع التدخل في عمل المحكمة العسكرية. ضغطنا لوقف ضغطهم وتدخلهم في مسار المحاكمة». وأكد أن زيارته إلى المحكمة العسكرية «كانت للوقوف على حاجاتها، وبالتالي فهي زيارة تفقدية للاطلاع على حسن سير العمل في المحكمة بشكل عام، ولم يكن لها أي علاقة بأي قضية معروضة أمامها».

ودعا وزير الدفاع، الحريري، «والجهة التي يمثلها إلى التمتع بالجرأة بإعلام الرأي العام عن الجهة التي سرّبت تسجيلات صوتية يُفترض أن تكون ملك القضاء والأجهزة الأمنية، ثم تجزئة هذه التسجيلات على نحو يخدم أهداف الجهة التي ضغطت على ضباط المحكمة العسكرية، وحجبت أجزاء أخرى من التسجيلات تدين ممارساتها وتؤكد على ضغوطاتها». وأعلن أنه طلب من الجهات المختصة إجراء تحقيق شفاف وشامل لكشف الجهة الأمنية التي سرّبت التسجيلات الصوتية المجتزأة، ومارست الضغوط على ضباط المحكمة العسكرية، وأغرقت وسائل الإعلام بمواد وأدلة غير كاملة للتأثير على الرأي العام والاستمرار في خداعه وتضليله وتغطية ممارساتها غير القانونية. وختم متوجهاً له بالقول: «إذا كان الكلام من فضة… فالسكوت من ذهب».