IMLebanon

بين “المستقبل” و”التيار” براغماتية سياسية تحمي التسوية ولكن…

لا مصلحة لأحد في انهيار الهيكل الرئاسي فوق رؤوس أركانه، على الأقل في الوقت الراهن. معادلة يتحرك تحت سقفها كل الأطراف الذين ارتضوا هذا الاتفاق إطارا لمعادلات وتوازنات سياسية جديدة أرساها انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، قبل نحو ثلاثة أعوام من اليوم. إلا أن هذا لا ينفي أن السجالات السياسية العائدة في جذورها إلى تصفية الحسابات القريبة والبعيدة المدى ستستمر، على خط “بيت الوسط” – ميرنا الشالوحي، وإن كان ذلك لن يثني سعاة الخير عن مواصلة مساعيهم لرأب الصدع عندما تدعو الحاجة.

ولم يكن أبلغ دليلا إلى ذلك إلا الحرص الذي أبداه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على “صب بعض المياه في نبيذ السجالات العنيفة التي عصفت رياحها بحلفه مع شريك التسوية، تيار المستقبل”. وفي هذا الإطار، تلفت مصادر سياسية مراقبة، عبر “المركزية”، إلى أن باسيل ذهب بعيدا في جهوده لتبريد الجبهات “التويترية” المشتعلة بين التيارين. فمن قضاء بعبدا الذي يعد أحد المعاقل البرتقالية الأبرز، لم يكتف بتكذيب الكلام المسرب المنسوب إليه عن أن “السنية السياسية (في إشارة مبطنة إلى تيار “المستقبل”) قامت على جثة المارونية وسلبتها كل الامتيازات، التي سنستعيدها مهما كان الثمن”. بل إنه ذهب إلى حد تأكيد أنه لم يقل حتى كلاما من هذا النوع، من دون أن يفوته التشديد على التمسك بما اعتبره “تفاهما قائما على الحق والميثاقية والقوة التمثيلية، ويجب العمل على المحافظة عليه”.

لكن، أبعد من ضخ جرعة حياة بدت ضرورية في عروق التفاهم الرئاسي، بدا كلام باسيل ردا على الموقف اللافت، والحامل كثيرا من الدلالات والرسائل السياسية المشفرة في اتجاه المعنيين من أركان التيار البرتقالي، من جانب النائب نهاد المشنوق، وهو أحد مهندسي تفاهم 2016. ذلك أن من على منبر دار الفتوى، طالب المشنوق بإعادة النظر في أسس التسوية، منتقدا قضم حقوق الطائفة السنية، وداعيا إلى العودة إلى اتفاق الطائف والدستور والقوانين.

وإذا كان بعض المراقبين يعتبر أن كلام المشنوق العالي النبرة هذا يعبّر عما يخالج القاعدة الشعبية الزرقاء من استياء إزاء الخيارات التي ركن إليها رئيس الحكومة سعد الحريري في المرحلة الأخيرة، وهو ما أظهرته بوضوح النتائج التي حققها تيار “المستقبل” في الانتخابات النيابية الأخيرة، فإن المصادر تلفت إلى أن “بيت الوسط” يتحسس ويعرف هذه النقمة وحجمها ومخاطرها إلا أنه يبدّي الواقعية السياسية وضرورة صون الاستقرار السياسي والإنتاجية الحكومية، بعد أكثر من عام على الاستفتاء الانتخابي الشعبي.

غير أن المصادر لا تفوّت فرصة الإشارة إلى أن الكباش السياسي مع باسيل بات يجمع “المستقبل” و”القوات اللبنانية”، اللذين يبدو أنهما اختارا التكتيك نفسه في حلبة الصراع مع “التيار”، وهو الكباش المزمن الذي لا شيء يشي بأن نهايته ستكون سعيدة: القنص الموضعي والانتقال إلى وضعية “الدفاع” عندما تدعو الحاجة، والتذكير المستمر بأن لا صوت يعلو فوق الدستور والطائف، أيًا تكن الاتفاقات المعقودة على هامشهما.

وتعتبر المصادر، في السياق، أن في موازاة المساعي لتهدئة الأجواء بين الأمين العام لـ”المستقبل” أحمد الحريري ووزير الدفاع الياس بو صعب، ردت وزيرة الداخلية ريا الحسن على كلام باسيل عن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، شأنها في ذلك شأن تلفزيون “المستقبل”، وهو السيناريو نفسه الذي اعتمدته معراب لتضع النقاط على حروف الدعوات “العونية” إلى رئيس الحزب سمير جعجع إلى “اعتزال العمل السياسي”، من دون أن يعني ذلك الاجهاز المركّز على ما تبقى من اتفاق معراب، لاسيما في بعده الوجداني التصالحي.