IMLebanon

من هم “الذئاب المنفردة” أفراد “داعش” العائدون؟

أعادت احداث طرابلس ليل 2 – 3 حزيران، الى الواجهة قضية الذئاب المنفردة، وموضوع المقاتلين اللبنانيين وغير اللبنانيين، الذين شاركوا في القتال في صفوف داعش والعائدين أو الذين تسلّلوا إلى لبنان، بانتظار ساعة الصفر. فمن هي الذئاب المنفردة؟ وكيف التعامل معها؟

العميد الركن المتقاعد شربل أبو زيد يقول لـ”المركزية” عن هؤلاء: “بُنِيَ تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) في الأساس كتنظيم القاعدة، على مبدأ عمل أشخاص منفردين أو مجموعات مقاتلة صغيرة مرتبطة بقاعدة توجّه تحركاتهم وعملياتهم وتؤمن لوجستيتهم، لكن مجريات الأحداث في سوريا، وأجندات الممولين والداعمين لداعش، دفعت بهم إلى التوحّد تحت قيادة واحدة، والقتال بمجموعات كبيرة بكل إجرام ووحشية، لزرع الخوف والرعب وتحقيق أهداف ومآرب من هم وراء هذا التنظيم. مع تفكّك داعش بعد هزائمها المتكررة، وسحب الدعم الذي كانت تحظى به، بدأت العناصر التي انضوت تحت لوائه بالعودة إلى دولها الأم، أو نقلت إلى أماكن أخرى بانتظار مهام جديدة، وعادت إلى العمل وفقاً لمبدأ الذئاب المنفردة أو المجموعات الصغيرة. هذه العودة خلقت أزمة حقيقية للدول في كيفية التعاطي معهم، وطرحت العديد من الأسئلة حول إمكانية إعادة إنخراطهم في الحياة الإجتماعية في هذه الدول، بعد محاكمتهم وإعادة تأهيلهم، أو وضعهم في السجون كمجرمين لا أمل منهم في المجتمع؟”

وأوضح أبو زيد “أن أكثر من 900 لبناني شاركوا في القتال ضمن صفوف داعش، قتل من قتل منهم، واختفى قسم آخر، فيما عاد الى لبنان قسم لا يستهان به، قدّرته بعض المعلومات بحوالي 400 عنصر تمت محاكمتهم، منهم من أنهى محكوميته وأخلي سبيله دون إعادة تأهيل، وبعضهم ما يزال في السجن ووضع الذين أخلي سبيلهم تحت مراقبة القوى الأمنية اللبنانية”.

ولفت إلى “أن هذه الذئاب المنفردة حصلت في مخيمات داعش على تدريبات متقدمة في قتال الشوارع والأماكن المبنية، وعلى استعمال السلاح بدقة كما ظهر في الفيديو حيث كان الإرهابي عبد الرحمن مبسوط يقوم باطلاق النار طلقة طلقة على العناصر الأمنية من المبنى حيث تمركز، الأمر الذي يدل على إحترافية عالية في القتال، وأعصاب باردة في القتل المتعمد، ومحاولة قتل وايذاء اكبر عدد ممكن من القوى الامنية. كما يدل إلى أن هذه الذئاب المنفردة تعمد إلى استغلال مكامن الضعف السياسية والعسكرية للدولة، لضرب الأمن والإستقرار”.

وأضاف: “واضح أن هؤلاء قد تعرضوا للإعتقال والسجن والتحقيق مرات عدة، فاصبحوا يتقنون فن الإجابة على أسئلة المحققين ببرودة أعصاب ودقة، دون أي تلكؤ أو تضعضع نفسي، حتى لو تعرضوا لأقسى أنواع التحقيقات”.

وقال: “لا يمكن لهؤلاء وهم صفر اليدين، الإستمرار في العيش وتنفيذ مآربهم، ما لم تتوفر لهم بيئة حاضنة دينية واجتماعية ومالية، فهم أصلاً خرجوا من هذه البيئة بالأفكار المتطرفة التي أوصلتهم إلى ما هم عليه، وهم اليوم يعودون إلى أحضانها، أكثر تطرفاً وأشرس قتالا”.

وسأل أبو زيد: “هنا يطرح السؤال حول ماهية هذه البيئة الحاضنة، والتي تركّز بالأساس على إبقاء أبنائها في حالةٍ من الفقر والجهل والبطالة، ما يسهّل التلاعب بهم، وضخ الايديولوجيات الخاطئة في عقولهم، لاستعمالهم وقوداً في حروبها الشخصية”.

ورأى “أن الصورة التي رأها العالم في العملية الإجرامية الإرهابية التي نفذها عبد الرحمن مبسوط، تؤكد بما لا يحتمل الشك، أن هذا الذئب المفلس مادياً قد حصل على دعم لوجستي متقدم من سلاح وذخيرة وقنابل وسهولة تحرك وتخطيط، ما كان يمكنه أن يحصل عليه بمفرده، ما لم تكن خلفه جهات قادرة تقوم بذلك لغايات مشبوهة، ومآرب خاصة داخلية أم خارجية”.

وتساءل: “أين الدولة اللبنانية من كل هذا؟ يشغل هذا الموضوع الأجهزة الأمنية كافة، التي تتعاطى معه من منطلق قانوني بحت، خاصةً من الناحية الأمنية والعسكرية، ولكن المسؤولية الإجتماعية والإنسانية تعود لوزارات ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني، التي من واجبها أولاً إلغاء البيئة الحاضنة للتطرف بالتنمية المتوازنة، ومساعدة هؤلاء العائدين بعد إنتهاء محكوميتهم، في الإنخراط بالحياة الإجتماعية مجدداً وخلق فرص العمل لهم، وإبعادهم عن العنف والتطرف، وبذلك تكون قد وضعتهم تحت المراقبة اليومية من جهة، وألغت الأسباب التي تدفعهم للقيام بأعمال كهذه من جهة اخرى، فلا يبقى من مبرر أو حجة تخفيفية في حال ارتكب احدهم عملاً أمنياً معيناً، وتسقط حجج الداعمين لهم”.

وختم: “الموضوع يتفاعل في الدول كافة التي خرج منها عناصر قاتلت الى جانب داعش وعادت إلى بلادها، وهناك عمل جاد وفاعل من قبل حكومات هذه الدول لوضع الأسس والإجراءات القانونية والأمنية والإجتماعية للتصرف حيالها”.