IMLebanon

أزمة الديمقراطية في الأحزاب اللبنانية! (بقلم رولا حداد)

كشفت “الاشتباكات” المستقبلية الداخلية التي تجلّت في الرد الناري لمقدمة تلفزيون المستقبل على الزميل نديم قطيش، وقبله على الوزير السابق نهاد المشنوق، عن أزمة ليست محصورة عملياً بـ”تيار المستقبل”، إنما تتشابه عملياً في كل الأحزاب اللبنانية.

الأزمة بكل بساطة التي ظهّرتها الخلافات “المستقبلية تتمثل في أن التيار الأزرق لا يتحمّل أي اختلاف داخلي في الآراء، لا بل إن قيادته لا تتحمل أي رأي مغاير أو ربما اجتهاد أراد به مطلقه الدفاع عن رئيس التيار إنما على طريقته!

لا يمكن لأي عاقل في لبنان والعالم أن يكون ضد الأحزاب في المطلق، لأن الحياة السياسية والديمقراطية في كل الدول المتطورة تقوم على الأحزاب وتنافسها على السلطة من أجل تقديم الأفضل، ضمن برامج وخطط تقدمها وتخوض على أساسها الانتخابات وتطلب ثقة الناخبين. وبالتالي إن الأحزاب تشكل العصب الحيوي للنظام الديمقراطي في أي دولة.

لكن عبثاً نتحدث عن ديمقراطية على صعيد أي دولة في حال كانت الأحزاب عاجزة عن ممارسة الديمقراطية داخل أروقتها أولاً، لأن الأحزاب يُفترض أن تشكل المدرسة الأولى للديمقراطية، وذلك عبر تأمين تداول السلطة داخلها وعلى كل مستويات مراكز المسؤولية، إضافة إلى تدريب المنتسبين إليها على التنافس الإيجابي والحضاري.

ثمة إشارة لا بد منها وهي أن الأحزاب الفاشية انتهت في العالم كله، بحيث باتت مساحة الديمقراطية في الأحزاب واسعة جداً. يكفي أن نأخذ الأحزاب في الولايات المتحدة مثالاً حيث أعلن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية رئيس الأكثرية الجمهورية في الكونغرس الأميركي رفضه قرار حزبه ترشيح الرئيس دونالد ترامب، ورفض التصويت له ولم يقم مسؤولو الحزب بعزله بسبب اعتراضه!

أما في لبنان فبات يصح القول إن الأحزاب باتت مقبرة الديمقراطية بكل معنى الكلمة، لأن مفهوم العمل الحزبي بات الولاء الكامل والأعمى لرئيس الحزب مهما فعل. لا مجال لأي تعدد للآراء في الأحزاب اللبنانية، ولا يقتصر غياب الديمقراطية في أحزابنا على عدم تداول السلطة، بل يتعداها الأمر إلى منع وجود الحد الأدنى من المعارضة لرئيس الحزب، أو حتى مجرّد وجود تباين. ووصل الأمر في أحزابنا إلى حد تخوين أي معارض لأداء القيادة الحزبية، ما يطرح أسئلة جدية عن مدى قدرة الأحزاب اللبنانية على ممارسة الديمقراطية خارج أسوارها، أي على الصعيد الوطني، وقمع هذه الديمقراطية داخل أسوارها على كل المستويات!

أما المفارقة المذهلة بالمعنى السلبي فتكمن في أن كل الأحزاب تغيّب دور القاعدة التي يجب أن تكون لها كلمتها في المؤتمرات الحزبية، بحيث تلتزم القيادة الحزبية بتوصيات المؤتمر الحزبي العام. أما في لبنان فإما تأتي المؤتمرات الحزبية العامة معلّبة وإما يتم تغييبها!

إن الأحزاب اللبنانية مطالبة بالعودة إلى أصول العمل الحزبي، حيث لا توريث على مستوى القيادة، ولا تأليه لرؤساء الأحزاب، بل عملية نقد دائم ومحاسبة مستمرة لعمل القيادة الحزبية فتبقى هذه القيادة تحسب حساب المساءلة والمساءلة من القاعدة لتقدّم الأفضل دائماً. خارج هذه المعادلة يصبح كل العمل الحزبي من دون جدوى، فتسقط الأحزاب في فخ الفاشية فتتعطل الديمقراطية الحزبية ما ينعكس تعطيلاً للحياة الديمقراطية في الدولة ككل!