IMLebanon

“صفقة القرن”.. خلفياتها ونتائجها على المنطقة والفلسطينيين

كتبت الدكتورة فيكي تشابريان في صحيفة “الجمهورية”:

ممّا لا شك فيه أن بعد انهيار الدولة العثمانية تفكّكت الأراضي العربية وتم تقسيمُها بين بريطانيا وفرنسا الى 22 دولة (لبنان وفلسطين ضمناً). ولكن ما الفارق بين العثمانيين المتعطشين للدماء، والغرب المتعطش للمال؟

إنّ العرب الذين كانوا في حالة سيئة ايام العثمانيين اصبحوا في حالة اسوأ بعد تقسيم اراضيهم بمعاهدة سرّية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة الامبراطورية الروسية سنة 1916. وسُميّت هذه الاتفاقية سايكس بيكو سازونوف، ولم ينتهِ تأثيرُها على منطقة الهلال الخصيب حتّى الساعة.

بموجب هذه الاتفاقية تمّ تقسيم الولايات العربية العثمانية خارج شبه الجزيرة العربية الى مناطق تسيطر عليها بريطانيا، ومنها جنوب اسرائيل أي فلسطين، الأردن، جنوب العراق، حيفا، وعكا. ومناطق أخرى تسيطر عليها فرنسا ومنها جنوب شرق تركيا، شمال العراق، سوريا، ولبنان.

أمّا دافع الدولة الروسية الأساسي لأن تكون الراعي الرسمي لهذه المعمودية، فكان إعادة السيطرة على القسطنطينية ومضائق البوسفور بهدف فتح الطريق للأسطول الروسي الى البحر الأبيض المتوسط، وسيطرة روسيا بدورها على المناطق الشمالية في الدولة العثمانية، بما فيها أرمينيا، كردستان والقسطنطينية.
والجدير بالذكر، انّ الاتفاقية تدلّ على موافقة روسيا على ايّ مشروع يخصّ فلسطين، ويضمن حقوق الكنائس الأرثوذكسية القائمة على أراضي فلسطين، مع منع إقامة مستعمرات يهودية فيها. ولكن وعند انتصار الشيوعية عام 1917 تنازلت روسيا عن حقوقها التي ضمنتها بموجب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916. بعد هذه الاتفاقية، اصبح للعالم وعد آخر قطعه آرثر بلفور، وبموجبه اكد دعم الحكومة البريطانية لتأسيس «وطن قومي» للشعب اليهودي في فلسطين.

أمّا اليوم، وبعد مرور 100 عام على اتفاقية سايكس بيكو سازونوف، تغيّرت أحوال الشعوب وقوتها وقدرة سيطرتها وانقلبت الأدوار وأصبح مواطنو «الوطن القومي» اليهودي هم أصحاب البيت، والفلسطينيون حلّوا ضيوفاً في بيوتهم وأراضيهم، وبات يدق أبواب العرب مصطلح جديد وهو «صفقة القرن»، وبموجبها سيصبح اليهود هم الأصحاب الشرعيين للأراضي المقدّسة، وسيصبح الفلسطينون ضيوفاً في مستوطنة من صنع اليهود على أراضي الفراعنة في منطقة صحراء سيناء.

لقد آن الأوان أن تنقسم المنطقة العربية للمرة الثالثة بموجب اتفاقية ثالثة مؤلفة من الثلاثية الجديدة، ترامب- كوشنير- نتنياهو. بموجب هذه الاتفاقية سيتم تقسيم «الوطن البديل» وسيُتّخذ اسمُ إسرائيل كإسمٍ نهائيّ لجميع الأجزاء المقامة فيها مستوطنات في الضفة الغربية. وفي المقابل سيتمّ توطين الفلسطينيين في مساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء.

أما مفاجأة اليهود- أميركا، المكلّلة بمباركة الصهر اليهودي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي سوف تُعلن من المنامة عاصمة دولة البحرين العربية، فتعود جذورها الى عام 2004 حين بدأ رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال جيورا ايلاند دراسة عن الوطن البديل للفلسطينيين ونشر دراسته عام 2010. وبموجبها، يقترح أن تحتفظ إسرائيل بشكل نهائي بكامل الأجزاء المقامة فيها مستوطنات في الضفة الغربية ويرحل عنها الفلسطينيون بشكل نهائي، دون حق العودة.

مقابل ترحيل الفلسطينيين من مستوطناتهم في الضفة الغربية يتمّ تعويضُهم بمساحات ضخمة في شبه جزيرة سيناء المصرية بعد أن تتنازل مصر عن 720 كلم2 من أراضيها للفلسطينيين. هذه المنطقة الجديدة ستنضمّ الى غزة وتُسمّى غزة الجديدة. أما الفلسطينيون من أصول غزاوية، فسيرحلون من الأردن الى مصر وتُسمّى المنطقة باسم «غزة الكبرى» في السيناء.

ولكن ما هي منافع هذه الصفقة لكل من فلسطين، مصر، والأردن؟
يكون مكسب الفلسطينيين 720 كلم2 من الأراضي مع حق التنقيب عن الغاز الطبيعي، وبناء ميناء دولي كبير، ومطار دولي، ومدينة جديدة لاستيعاب مليون فلسطيني.

أمّا مكسب مصر، فهو عدا أن تكون شريكةً في حلّ القضية الفلسطينية مقابل أرض سيناء، الحصول على قطعة أرض أخرى في صحراء النقب، وأرض في وادي فيران، ونفق يربطها مع الأردن، وتكون هذه الأرض تابعة للسيادة المصرية. بالإضافة إلى حصولها على أنبوب غاز، وخط سكة حديد، وتمويل من البنك الدولي لعمليات تحلية مياه للمصريين في مواجهة الفقر المائي.

وسيتمّ إدخالُ تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد تمنح الجيش المصري السيطرة على كامل أراضي سيناء. كما توافق فرنسا على أن تبني مصر مفاعلاً نووياً لإستخدمات سلمية.

وإذا وافقت مصر على كل هذا يأخذ رئيسُها جائزة نوبل للسلام.

أما الأردن فستأخذ باقي الضفة الغربية مع سكانها الفلسطينيين وتستفيد في المقابل من: منظومة الطرق، سكة الحديد وأنبوب نفط يربطها بميناء غزة الكبرى. وبهذه الطريقة، تكون للأردن إطلالة على البحر الأبيض المتوسط.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يستطيع شعب أخذ أراضٍ من أوطان أخرى وإعطاؤها الى شعب آخر كما فعل الرئيس ترامب؟ ألم يكن أخذُ القدس من الفلسطينيين وإعلانُها عاصمةً لإسرائيل مخالفاً للقانون الدولي؟ حيث إنّ القدس ليست ملك ترامب أو حتّى ملك الولايات المتحدة الأميركية حتّى يستطيع رئيسها إعطاءَها هبةً للصهاينة.

وهل يستطيع الصهاينة تطبيق ما يُسمّى بصفقة القرن بأخذ أراضي المصريين واعطائها للفلسطينيين وكأنهم يوزعون قطعة حلوى مقابل قطعة حلوى أخرى مصنوعة بمقادير حديثة وبطعم جديد؟!

إنّ الفلسطينيين الذين لم يتعبوا من تقديم الشهداء للوطن وهم متمسّكون بأرضهم التي وُلدوا فيها لن يتخلّوا عن أيِّ شبرٍ منها، ولكن ما نخشاه هو أن تكون اراضي فلسطين استُعمرت ووُزّعت من قبل شعب لديه اسلحة أقوى من الحجارة، شعب آمن منذ الأزل إنه «شعب الله المختار» حتى بعد أن صَلب «يسوع الناصري ملك إسرائيل» ابن الله الحيّ على صليب الجلجلة.