IMLebanon

تَوَجُّسٌ من تَمادي إيران في لعبة «التفاوض بالنار»

 

… إلى المنطقة دُرْ. فبعد أيام من الغرق في «حروبٍ صغيرةٍ» داخلية خَلُصَتْ نهايتُها «الاحتوائية» إلى تأكيد عدم وجود رغبةٍ بالتفلُّت من «الدرع الواقي» المحلي – الإقليمي – الدولي الذي تشكّله التسوية السياسية الصامدة منذ 2016، وجدتْ بيروت نفسها «تحْبس أنفاسها» على وهج التوتر غير المسبوق في الخليج على تخوم السباق بين «الحرب الموْضعية»، حتى الآن، التي ارتسمت معالمها في الساعات الماضية من مطار أبها إلى بحر عُمان، وبين محاولاتِ تَلَمُّسِ طريقٍ إلى تَفاوُضٍ شائكٍ بين الولايات المتحدة وإيران التي تبدو كأنها تلعب «على حافة الحرب الكبرى» لفكّ «حبل» العقوبات عن «عنقها».
ولم يكن أدلّ تعبيراً عن التوجس المُتعاظِم في بيروت من تداعيات التطورات المتسارعة في الخليج والتي تطْبعها «الإشارات المتناقضة» تحت الطاولة وفوقها، من تغريدة لزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي يُعتبر الأكثر «التقاطاً» للمؤشرات الإقليمية والدولية والقارئ البارِع «بين سطورها»، اذ نَصَح «كون الأمور تسير إلى تصعيد في الخليج مع احتمال اندلاع حرب أو حروب بالواسطة، بالأمس الاعتداء على مطار أبها واليوم على شاحنات النفط»، بأن «من الأفضل أن تنجز الموازنة بسرعة من دون التعرّض للأجور بل ضبْط القطاعات الأخرى التي جرى إغفالها تحسباً للأسوأ».
وهذا «الأسوأ» واحتمالاته خيّمت «سيناريواته» على المشهد السياسي الذي باغتتْه «الرسائل النارية» في الخليج التي كرّست ان المنطقة باتت في «فوهة بركانٍ».
وإذا كان الاعتداء الإرهابي الذي تَعَرَّضَ له مطار أبها الدولي اعتُبر من أوساط سياسية في سياق استراتيجية «العصا والجزرة» الإيرانية بعد إشاراتٍ إيجابيةٍ غير مباشرة من طهران بالرغبة في خفض التوتر مع واشنطن عبّر عنها إطلاق اللبناني نزار زكا واستقبال رئيس الوزراء الياباني ساعياً لـ«مدّ الجسور» مع الولايات المتحدة، فإن استهداف ناقلتيْ النفط في بحر عُمان جاء «حمّال أوجه» وفق الأوساط نفسها التي اعتبرتْ أنه إما مؤشر إلى فشل مهمة شينزو آبي بالكامل وإما في إطار رغبة طهران في إرساء «قواعد التفاوض» بالنار، وفي كلتا الحالتين تكون الرسالة أن دول الخليج صارت أكثر في قلب «سلّة الأهداف» البديلة عن مواجهة مباشرة مع واشنطن وأن الاقتصاد العالمي سيدفع ثمن العقوبات الأميركية من ضمن مسار «تلازُم الضرر» و«الغرق معاً».
وبقطْع النظر عن القراءة بين سطور الوقائع اللاهبة والمدى الذي يمكن أن تبلغه، فإن لبنان بدا معنياً بها من زاويتيْ تأكيد التضامن مع الدول الخليجية و«قياس» إمكان انزلاق البلاد إليها عبر «حزب الله» الذي تمْضي واشنطن في تضييق الخناق المالي عليه وتأكيد أنه على رأس «لائحة المطلوبين» لديها في المواجهة مع إيران ونفوذها في المنطقة.
وفيما كان رئيس الحكومة سعد الحريري حرص على إصدار بيان دان الاعتداء الذي تَعَرَّضَ له مطار أبها الدولي معتبراً «أن هذا الاعتداء الصارخ على المنشآت المدنية الحيوية السعودية، يؤكد استمرار المحاولات الخبيثة لاستهداف أمن واستقرار المملكة والشعب السعودي الشقيق»، ومؤكداً «نستنكر بشدة هذا الاعتداء الجديد، ونؤكد وقوفنا وتضامننا مع المملكة (…)»، برزت معاودة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التصويب على «حزب الله» متهماً إياه باستخدام عمليات تهريب المخدرات في فنزويلا لتمويل عملياته في الشرق الأوسط.
وحسب مجلة «واشنطن إغزامينر»، فقد تحدّث بومبيو عن عملياتِ «حزب الله» في فنزويلا خلال جلسة لمجلس الشيوخ قائلاً: «إنها في الغالب مشاريع لكسب المال. وهذا يعني أنها مصمَّمة لتوليد إيرادات لحزب الله وأنشطته التي تتم إلى حد كبير في الشرق الأوسط، لمساعدتهم على دفع الرواتب في جميع أنحاء المنطقة».
واعتبرتْ مصادر مطلعة في بيروت أن «إخماد» التوتر بين فريقيْ رئيس الجمهورية ميشال عون (التيار الوطني الحر) ورئيس الحكومة (تيار المستقبل) و«إنعاش» التسوية السياسية التي تحكم الوضع اللبناني جاء في توقيت بالغ الأهمية يفترض أن يشجّع على المزيد من طيّ صفحات معارك «تصفية الحسابات» و«تعليق ومحاولات تعديل قواعد الحُكم بالأعراف والممارسات التي تتفيأ عنوان استعادة حقوق المسيحيين»، وذلك بهدف «تصفيح» الواقع المحلي بإزاء المخاطر الخارجية وهو ما يقتضي الإسراع في إقرار مشروع موازنة 2019 في البرلمان لوضْع البلاد على «شاطئ الأمان» المالي، وتفادي أي «هَبّات ساخنة» سياسية يمكن أن تطيح بـ«منطقة خفض التوتر» داخلياً.
وفي حين بقيت بيروت أمس، تحت تأثير المناخ الانفراجي بين الرئيسين عون والحريري الذي كان «وضع الإصبع» على مسببات الانتكاسة الكبيرة في العلاقة مع «التيار الحر» والتي عرّضت التسوية لتصدُّع غير مسبوق، فإن رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل لاقى وعلى طريقته هذا المناخ الذي سيُترجم بعقد جلستين لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل مؤكداً (لتلفزيون إم تي في) بعيد وصوله إلى دبلن «ان العلاقات مع رئيس الحكومة ليست بحاجة إلى ترميم لأنها لم تتأثر أصلاً وسنلتقي به عندما يلزم الأمر».
وكان باسيل أكد من لندن «دائماً يختلقون لنا المشاكل ولا يستطيعون تقبّل اي تفاهم لمصلحة لبنان وهذا ما فعلوه بالنسبة لعلاقاتنا مع الرئيس الحريري الذي أعطينا معه هنا تلك الصورة الجميلة عن لبنان»، مقارباً الوساطة الأميركية لبت النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان وإسرائيل والتي كانت محور محادثات ديفيد ساترفيلد في بيروت الأربعاء بإعلانه «لن نتراجع عن حقنا البري والبحري ونحن غير معنيين بأي توتر غير ضروري ونعتقد بإمكان الوصول إلى ترتيبات مناسبة إذا اعتمدت القنوات الصحيحة والأسس المناسبة».
وإذ شدد على «أننا لا ننحاز في سياستنا الخارجية لأي تحالف في المنطقة بل ننأى بنفسنا وبلبنان عن الصراعات (…)»، أكد «لم نعد قادرين على تحمل عبء النازحين السوريين».
ويُذكر أن معلومات في بيروت تتحدث عن أن وفداً روسياً سيزور لبنان اليوم للقاء كبار المسؤولين اللبنانيين وبحث ملف إعادة النازحين وإعادة الإعمار في سورية.