IMLebanon

“اللبنانية” ضد “السلطة”: الإضراب لا يخدم المواجهة (بقلم راجي كيروز)

كلامٌ كثير يُحكى طوال الوقت عن إضراب الأساتذة في الجامعة اللبنانية، وللجميع رأيه في طبيعة الحل: بين أساتذة مع الإضراب وأساتذة ضده، بين طلاب مع الإضراب وطلاب ضده، مع رأي عام منقسم أيضًا حيال المسألة. هذا أمر طبيعي في أي مسألة خلافية، فكيف الحال إذًا بإضراب يؤثّر على آلاف الأساتذة وعشرات آلاف الطلاب، فضلًا عن الجامعة اللبنانية بحد ذاتها، والمكانة التي تحتلها الآن في مواجهة السلطة التي لم تظهر على مدى 5 أسابيع أي جدية تجاه مطالب الأساتذة.

لا شك أن السلطة تحارب “اللبنانية”، وذلك يحدث قبل البدء بدراسة الموازنة الحالية وما تضمنتها من بنود لا تحقق مطالب الأساتذة والجامعة عمومًا. فما المساهمات اليومية التي يقدمها السياسيون إلى الجامعات الخاصة، بالإضافة إلى “تفريخ” دائم لجامعات – دكاكين تعود لهم، مقابل إهمال شبه تام لمتطلبات الجامعة – وهذا ظهر جليًا في عدم تخصيص أي بنود في الموازنة المطروحة حاليًا لإعلاء شأن الجامعة، سوى أدلة بسيطة على نهج السلطة المستمر ضدها.

لكن بين مؤيد للإضراب ومعارض له، ثمة فئة ثالثة. هناك دائمًا رأي ثالث، قد يكون صائبًا أم لا، لكنه موجود. في المستوى الأول، حق الطالب البديهي أن يتعلّم، قبل أن يكون مناضلًا ضد السلطة أو مشاركًا في حراك أساتذته لتحصيل حقوقهم. هذا الحق مفقود اليوم، والطلاب مُطالبون بالنضال من أجل الجامعة وهم ليسوا فيها. من جهة أخرى، للأساتذة حقوق، ويمكن أن يكون الإضراب إحدى الأدوات الأكثر فعاليةً لتحقيقها – حتى لو لم تم تحقق شيئًا يذكر حتى اليوم، خاصةً مع بيان الهيئة التنفيذية لرابطة متفرغي الجامعة الذي علّق الإضراب موقتًا، في انتظار اجتماع مجلس المندوبين في الرابطة.

بين حقوق الطلاب وحقوق الأساتذة، تقع المعضلة. من جهة، الطلاب يحق لهم التعلم، وهذا ما يتطلب تنازلًا – كما حدث مرارًا في سنوات سابقة – من الأساتذة والرجوع عن قرار الإضراب، وبالتالي “العض على الجرح”. من جهة أخرى، للأساتذة حقوق أيضًا، ما يتطلب تنازلًا من الطلاب حتى تحقيق المطالب وتثبيت ندّ نقابي قوي بوجه السلطة، وهذا ما لا يمكن فرضه أيضًا على طالب لا يتعلّم، إذ إن حس المسؤولية تجاه أهمية بقاء الجامعة في موقعها وتحصينها لا يولد بين ليلة وضحاها. وهذا ما لم يتنبّه له الأساتذة الذين وضعوا الطلاب أمام واقع الإضراب، وأصبح أي خيار آخر لا يكون إلا داخل دائرة الإضراب.

هنا يُطرح سؤال: ما هي خطة الأساتذة إلى ما بعد الموازنة، إذا افترضنا أنها أُقرت بلا أي مس بحقوق الجامعة وأساتذتها؟ وبالتالي هل الإضراب أداة فعالة أصلًا لتحصين الجامعة، أم لتحقيق مطالب الأساتذة فقط؟ (وهذا ليس ذمًا لهم، بل اعتراف بحقهم البديهي).

الأساتذة، الذين كانوا على دراية تامة باستهداف السلطة الممنهج للجامعة على مدى سنوات، لم يتحركوا يومًا إلا بأسلوب واحد: الإضراب. لم نحضر يومًا، كطلاب، نقاشًا عن أهمية الحفاظ على الجامعة في وجه السلطة. لم يحدّثنا أستاذ أصلًا، في محاضرة له، عن هذا الاستهداف كي نوضع في الجو العام ونكون حاضرين لحراك طالبي حقيقي، يرافق الحراك النقابي للأساتذة، من أجل الحفاظ على هذه الجامعة.

الأساتذة، من دون تعميم، لم يؤسسوا لنواة حركة نقابية على مدى سنين، وبالتالي لم يؤسسوا لنواة حركة طالبية، إذ إن عددًا كبيرًا من الطلاب ليس على دراية بالأمور المتعلقة بالجامعة، وبالتالي كان من واجب الأساتذة إطلاع الطلاب على هذا الخطر “المحدق”، والتنسيق في ما بينهم لتحصين الجامعة.

الإضراب أصبح اليوم في نقطة اللاعودة، ومن الطبيعي دعم تحرك الأساتذة في وجه سلطة تريد نهش الجامعة، لكن في المقابل يجب الاعتراف بأنه لم يكن إلا قرارًا عشوائيًا وضع الطلاب تحت الأمر الواقع وأجبرهم على التحرك داخله، من دون أي تحضير نفسي لهم قبل اللجوء إليه.

الإضراب سيُفك عاجلًا أم آجلًا، وقد تتحقق المطالب وقد لا تتحقق. لكن من دون التأسيس لنواة نقابية – طالبية حقيقية، السلطة ستكمل مسارها التدميري للجامعة، ولن يتغير أي شيء. فليبدأ الأساتذة المتحزبون بمساءلة قرارات أحزابهم وتصرفاتها بحق الجامعة، للبدء بمسار طويل وصعب، لكنه ضروري، من أجل استقلالية الجامعة.