IMLebanon

السعودية تؤكد احتضان «بلاد الأرز» والحرص على الاستقرار فيها

تَراجَعَتْ الضوضاءُ السياسيةُ حول العناوين الداخلية في لبنان، على وهج الحركة السعودية والروسية المتزامِنة تجاه بيروت وما حَمَلَتْه من إشاراتٍ ذات مغزى في اللحظةِ التي تقف المنطقةُ فوق فوهةِ احتمالاتٍ لا تسْتثني خطرَ الصدِام الكبير على خلفيةِ المواجهة الأميركية – الإيرانية وتَمادي طهران في «اللعب بالنار» لكسْر طوق العقوبات الموجِعة التي تَمْضي واشنطن في مسارِها الصارِم الذي يلتفّ حول عنق إيران.
وبعدما أعادتْ «الواقعيةُ السياسيةُ» تعويمَ التسوية التي تحكم الوضعَ اللبناني منذ 2016، من دون التقليل من وطأة «البطاقات الصفر» التي رَفَعَها حزبا «القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» بوجه أيّ محاولاتِ تهميشٍ لهما أو استئثارٍ باستحقاقات مقبلة مثل التعيينات الإدارية وغيرِها، احتلّت العلاقاتُ اللبنانيةُ – السعوديةُ والمبادرةُ الروسيةُ حول ملفّ النازحين السوريين صدارة الاهتمام أمس في ضوء الزيارةِ الأولى من نوعِها التي يقوم بها وفدٌ من مجلس الشورى السعودي للبنان برئاسة صالح بن منيع الخليوي ومباحثات الموفد الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتي.
وعَكَسَتْ زيارةُ الوفد السعودي ومحادثاته مع كل من رؤساء الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري إضافةً إلى لجنة الصداقة البرلمانية اللبنانية – السعودية برئاسة رئيس الحكومة السابق تمام سلام، قرارَ المملكة بتفعيلِ العلاقاتِ الثنائية مع لبنان وعدم إدارةِ الظهْر له والحفاظ على ما أمْكن من التوازنِ الإقليمي الذي يجنّب ترْك البلاد منكشفة بالكامل على النفوذ الإيراني وتالياً الإبقاء على مظلة الحماية للواقع اللبناني بمعزل عن أدوار «حزب الله» كذراعٍ إيرانية وحملاته الشعواء ضدّ الرياض ودول خليجية أخرى.
وفيما لم يتوانَ البعض في بيروت عن إدراج زيارة الوفد السعودي، الذي يستكمل اليوم لقاءاته، في خانة المضي في مأْسَسَة العلاقات مع بيروت، رأتْ أوساطٌ مراقبة أن ما يعزز وضْع هذه المحطة في خانة تجديد الإحاطة بلبنان واحتضانه أنها تزامنتْ مع زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون للسعودية حيث يبحث مع كبار قادتها في التعاون العسكري بين البلدين وسبل دعم الجيش اللبناني، وسط ترقُّب لما إذا كانت المباحثات ستتناول إمكان معاودة تفعيل الهبة السعودية لتسليحه (بقيمة 3 مليارات دولار) والتي كانت جُمّدتْ في 2016 على خلفية اعتراض المملكة على مواقف لبنان الرسمي بعد حرق سفارتها في إيران وأدوار «حزب الله» في المنطقة.
وقد حملت محادثات الوفد السعودي في بيروت عنواناً رئيسياً هو نقْل حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تنمية العلاقات بين البلدين على كل المستويات، وهو ما أكده الخليوي خلال لقائه عون إذ أعرب عن سعادته بأن يكون «على رأس أول وفد من مجلس الشورى السعودي يزور لبنان»، حاملاً «تحيات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد إلى الرئيس عون والحكومة، وتمنياته بالتوفيق والسلام والأمن للبنان».
وشدد على «العلاقات التاريخية بين البلدين والدعم الذي تقدمه المملكة للبنان واستقراره»، مؤكداً «ارتياح المواطنين السعوديين للمجيء إلى لبنان وخصوصاً في فصل الصيف، حيث يعتبرون أنهم في بلدهم الثاني».
وتحدث عن «خطط المملكة من خلال رؤية 2030 المستقبلية والترحيب بأي دور يمكن أن يلعبه لبنان في هذه الرؤية»، مشيداً بـ«الدور الذي يقوم به الرئيس عون وحرصه على التضامن والتوافق العربيين».
بدوره أشاد عون بـ«المبادرات السعودية المتواصلة لخادم الحرمين»، مشدداً على «ترحيب لبنان بالزعماء العرب الذين يرغبون في زيارته، وخصوصاً الملك سلمان»، ولافتاً إلى «عوامل الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان والذي سيمكنه من استقبال الأشقاء العرب خلال موسم الصيف ومنهم السعوديون، بعد قرار المملكة رفع الحظر عن مجيء رعاياها إلى لبنان».
أما زيارة الوفد الروسي ولقاءاته مع كبار المسؤولين، فأمْكن اختصار خلاصاتها بمسألتين:
* الأولى «تأكيد المؤكد»، وفق ما كان تبلْور إبان زيارة الرئيس عون لموسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين في مارس الماضي، من أن المبادرة الروسية لعودة النازحين مرتبطة بالحل السياسي وإعادة الإعمار أي بتسوية دولية.
ولم يكن عابراً أن يسمع لبنان، الذي يشهد صراخاً من فريق رئيس الجمهورية يدعو إلى عودة النازحين «الآن وليس غداً» محوّلاً هذا الملف عنوان اشتباك داخلي، موقفَ موسكو الداعي إلى «عودة طوعية وآمنة» وإلى «ضرورة توفير الظروف المناسبة من اجل تحقيق ذلك»، كما قال لافرنتييف بعد لقاء وزير الخارجية جبران باسيل معلناً «اتفقنا أثناء المباحثات على بذل جهود أكبر لعملنا مع الأسرة الدولية من أجل تحقيق التمويل المطلوب لعودة النازحين»، لافتاً إلى «أننا ننطلق من أهمية هذه السياسة لأن من الضروري عودة النازحين في ظل ظروف مناسبة وليس إلى مناطق مدمَّرة».
ولم يأتِ أقلّ تعبيراً كلام الرئيس عون خلال استقبال الموفد الرئاسي الروسي إلى سورية والوفد المرافق، عن «حقّ لبنان في البحث مع الدولة السورية في تنظيم عودة النازحين إلى بلادهم، ونرى في الدعم الروسي لتحقيق هذه العودة عاملاً مهماً في انتظار توصل المشاركين في مسار أستانة التفاوضي إلى حلول نهائية للأزمة السورية»، ذلك أن هذا الموقف الذي حظي بإسنادٍ من رئيس البرلمان نبيه بري، يؤكد استشعار لبنان الرسمي بأن المبادرة الروسية تصطدم بعقبات جوهرية.
* والثانية موافقة لبنان رسمياً على المشاركة في الجولة المقبلة من مؤتمر أستانة حول الأزمة السورية في يوليو المقبل بصفة مراقِب، وفق الدعوة التي حمَلها الوفد الروسي الذي اعتبر «أن مشاركة لبنان والعراق ستعطي الدعم المفيد والعمق العربي للعمل في إطار مسار أستانة».
ورغم محاولة الرئيس عون ربْط هذه المشاركة بأن «المؤتمر يسهل متابعة الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي يساهم في عودة النازحين السوريين إلى بلادهم»، فإن أوساطاً سياسية تساءلت عن مغزى تبنّي لبنان ضمناً مسار أستانة لحل الأزمة السورية بما يؤشر إلى تموْضعه في محورٍ إقليمي من خارج سياق النأي بالنفس، وسط علامات استفهام حول ما إذا كان هذا الأمر سيثير حساسيات داخلية نتيجة استمرار الانقسام في الموقف من هذه الأزمة السورية.