IMLebanon

العبرة في التنفيذ

كتب ريمون ميشال هنود في “اللواء”:

 

بتاريخ 19 حزيران 2019، قال رئيس بلدية الحدث جورج عون على خلفية منع بعض المواطنين المسلمين من تملك أو استئجار شقة سكنية في البلدة، بأنّ قراره مغطّى من الرئيس ميشال عون ومن الرئيس نبيه بري ومن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والأخطر في كلام الأستاذ عون، قوله إن هذا القرار يخدم العيش المشترك، لتثبيت المسيحيين في أرضهم ومنعهم من الهجرة. لا غبار على أنّ القانون اللبناني ينص على أحقية تملك كل لبناني لعقار أو شقة سكنية في أيّ بقعةٍ تقع ضمن الأراضي اللبنانية، ما خلا تملك الأجانب، وقد أبلت وزيرة الداخلية ريّا الحسن بلاءً حسناً عندما قالت بأنّ قرار بلدية الحدث غير قانوني وغير دستوري.

 

ولا شك في أنّ الخاسر الوحيد من ردة الفعل هذه هو بلدية الحدث والتيار الوطني الحر من خلفها، والذي بات الفريق السياسي الوحيد في لبنان، الممتلك لخطاب طائفي على هذه الدرجة من التعصّب.

 

منذ عشرة أيام وفي ذروة التطاحن السياسي بين التيار البرتقالي والتيار الأزرق، استرعى انتباهي تصريح لمعالي وزير الخارجية جبران باسيل، يقول فيه، أنّ التيار الأزرق مغتاظ بشدّة، لأنّه علم بوجود 4000 منتسب مسلم الى التيار الوطني الحر. من هنا سؤال برسم رئيس وأعضاء بلدية الحدث، فرضاً لو طلب بعض المحازبين المسلمين المنتسبين الى التيار الوطني الحر، استئجار شقق أو تملك شقق في نطاق منطقة الحدث، هل إنّ رئيس وأعضاء البلديّة «العونيين»، سيقولون لهم بصدور رحبة حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً على اعتبار أنهم من عظام الرقبة ومن أهل البيت العوني الحزبي؟ يبقى الجواب مجهولًا الى حين حدوث طلب واحد أقلّه.

 

لا شكّ في أنّ القرار مغطًى من الرئيس بري والسيد حسن نصرالله، لأنّ الأستاذ والسيد، ليسا في وارد القبول بحدوث اشكالات ومناكفات ومنازعات في البلاد، خصوصاً في ذروة العقوبات الأميركيّة على حزب الله، والتي أثّرت سلباً أيضًا على مجمل الوضع الإقتصادي النازف أساسًا في لبنان، وجعلت معدلات البطالة والهجرة ترتفع الى نسب ومستويات مرعبة. كثيرون اتهموا العماد ميشال عون بأنه مصاب بهوس السلطة. بدوري أقول، من حقّه أنْ يطمح لأن يكون رئيسًا للجمهورية شأنه شأن أية شخصيّة مارونية أخرى، لكن وفق رأيي الخاص فإن الخطأ الذي ارتكبه فخامته ومن خلفه تيار العهد، تجلى بالتغريد خارج سرب الواقع عبر الاعتقاد، بأن التيار ولمجرد منحه عبر نوابه الـ21 في البرلمان شرعيّة شعبيّة لسلاح الحزب، فإن ذلك لن يجعل الجنرال يتبوّأ عرش الرئاسة الأولى فحسب، بل سيتيح للتيار أيضاً، نتيجة منحه الحزب هذه الهدية الثمينة، بإعادة اكبر قدر ممكن من الصلاحيات التي خسرها رئيس الجمهورية الماروني عقب إقرار اتفاقية الطائف، الى الرئيس الماروني، وإنّ الحزب سيغض الطرف عن المعركة التي سيخوضها التيار.

 

ونتيجة هذا الإعتقاد الخاطئ فتح التيار الوطني الحرّ معركة إعادة قسم من صلاحيات يجزم أنها من حق الطائفة المارونية، بدليل أن الوزير جبران باسيل قال منذ أيام خلت، يجب أن تعود بعبدا الى بعبدا، وبدليل خوض معاليه والتيار الوطني الحرّ قبيل تشكيل الحكومة بأشهر عديدة معركة مضنيّة للفوز بالثلث المعطل في مجلس الوزراء، كانت نتيجتها هزيمة التيار أمام أسوار الدستور وأحكامه، وهذه المعادلة، أي الثلث المعطللها أصدقاء يؤيّدونها، كانوا من مندرجات دستور 1943.

 

فضلاً عن أنّ احتجاز لقمة عيش الفائزين في وظائف الفئتين الثالثة والرابعة، التي لا ينصّ الدستور على اعتمادها للتوازن الطائفي في أدراج القصر الجمهوري، كمأموري الأحراج وموظفي مجلس الخدمة المدنية وغيرها، عملٌ مخالفٌ للدستور أيضاً، وأصحابها ما زالوا ينتظرون على أحرّ من الجمر وبفارغ الصبر، توقيع فخامته على اخلاء سبيل هذه اللقمة من بيت الشعب، لكن الرفض ما زال سيد الموقف منذ أكثر من سنة أقله، رغم أن فخامته كان قد أقسم في جلسة انتخابه على احترام الدستور اللبناني.

 

وأذكّر بعض المحلّلين السياسيين العونيين الذين يدّعون التمارض بالإحباط المسيحي منذ العام 1991 ولو كانوا قلائل،بأن فرنسا عندما انسحب جيشها الذي احتل لبنان عقب سايكس بيكو المشؤوم، قالت حينها عبر الجنرال جورج كاترو، الآن منحنا اللبنانيين استقلالهم، لكنّنا في الوقت عينه نكون قد منحناهم في المقابل عدم الإستقرار. وبالفعل فقد أدى الإستئثار من قبل طائفة واحدة بكل القرارات في البلاد الى  عدم الإستقرار، وبالتالي فقد صدق تحليل الجنرال كاترو لأن هذا التحكمالمصحوب حينها بتفشي الإنماء اللامتوازن، كانا عاملين هامين ساهما بفعاليّة في انفجار بركان الحرب الأهلية في العام 1975.

 

وهنا أسأل الأستاذ جورج عون: ماذا ستقول الحدث لإبنها المناضل الشيوعي وأحد مؤسسي الحزب في لبنان يوسف ابراهيم يزبك الذي يحمل شارعاً في الحدث إسمه، وهو الذي غنّى قائلاً الطائفية ثقلٌ يضني النفوس، حطّموها يا رفاقي بالمطارق والفؤوس، عقب ردة الفعل هذه؟! ماذا ستقول بلديّة الحدث بعد الذي حدث لعظماء جارتها الرائعة الجمال كفرشيما، والجار قبل الدار، أمثال ابنها الشاعر الياس فرحات صاحب مقولة، إنّ التعصّب للمذاهب شرٌّ ما أورث أمّتنا الزمان الفاسد، منه لأبناء البلاد مصائب شتّى، وللمستعمرين فوائد؟ وهو صاحب قصيدة يا رسول الله، والتي يقول فيها، إنّ في الاسلام للعرب علا، إن في الإسلام للناس أخوّة، فادرس الإسلام يا جاهله، تلقي بطش الله فيه وحنوّه.

 

وأذكّر رئيس البلدية بأنّه في بيروت الغربية، «هكذا كانت تُسمّى إبّان الحرب الأهلية»، وهي المأهولة اليوم بأغلبية سكانيّة مسلمة، وعلى الأقل منذ الأنسحاب السوري من لبنان في العام 2005، لم أسمع يوماً من دار الفتوى كلاماً يقول لا نريد بقاء مركز الحزب الشيوعي اللبناني، في منطقة الوتوات، لأننا لا نرضى بأن يحيا بيننا أناسٌ يؤمنون بالفلسفة المادية التي لا تؤمن بدورها بعجائب السماء. ماذا ستقول بلديتكم لجرأة وبطولة وواقعية مارون عبود «أبو محمّد» الذي سمى ابنه البكر محمّد إعجاباً منه بالذكاء الحادّ بالنبي العربي الكريم ونظم له قصيدة يوم عيد مولده يقول مطلعها، عشت يا ابني، عشت يا خير صبيّ ولدته أمّه في رجب، فهتفنا واسمه محمّدٌ أيها التاريخ لا تستغرب، أمّه ما ولدته مسلمًا أو مسيحياً، إنما عربيّ.

 

ماذا ستقول بلديتكم الموقرة، للغرفة رقم 115 في بيت السيدة «مأوى للعجزة» الواقعة في بلدتكم، والذي قبع فيها لعدّة سنوات، سيادة المطران العلماني الأحمر الثائر غريغوار حداد، رحمه الله، لو كان لا يزال على قيد الحياة، ورأى كيف يُمنع لبناني من استئجار شقة في منطقة تقع ضمن ربوع وطنه؟ ما كان سيكون موقف صاحب كتاب العلمنة الشاملة، ومؤسّس الحركة الاجتماعية، ومؤسس تيار المجتمع المدني، وأحد المناصرين الأساسيين للزواج المدني الاختياري في لبنان؟ الفرح والغبطة؟! بالطبع لا، بل كان سيقول، إن ما حدث في الحدث مأساة تدمي القلوب، وتجعل الأجران تمتلئ بدموع الاتراح.

 

وبالمناسبة كان سيادة المطران الثائر، قد قال لإحدى الصحف المحليّة اللبنانيّة بتاريخ 4/10/2009، أظنّ أن العماد عون قد قرأ كتابي العلمنة الشاملة، إنما الملفت، أنّ خطابه كان أقرب الى العلمانية عندما كان مقيماً في فرنسا، لكن دولة الرئيس، بات اليوم البطريرك العلماني للموارنة.

 

إنّ تحليل المطران الحبيب الصائب هذا، يجعلني أجزم بأن موقف رئيس البلديّة الأستاذ جورج عون، إزاء ما جرى في الحدث، يُثبت أن الرجل ومن خلفه تياره، ما زالا الى يومنا هذا، مقتنعين بأدبيات ميشال شيحا، الذي ناهض إلغاء الطائفية السياسيّة، مناهضة عنيفة، وقال أن الطائفية ظاهرة طبيعية بنيوية،وهي ليست عورة أخلاقيّة! أو ترسّبًا من ترسبات التخلّف!! إنما هي شكل من أشكال الحضارة وعامل أمن واستقرار وسلام للبنان! وهي عنوان خصوصيتهوتفرّده، ومن مدرستها تعلّم اللبنانيون التسامح!! كتاب المؤرخ والكاتب فوّاز طرابلس، صلات بلا وصل، صفحة 180.

 

من هنا فإن التيار الوطني الحر مطالب اليوم قبل الغد، وقبل فوات الأوان، القيام بنقدٍ ذاتيّ صائب يُحفّزه على وضع القطار على السكة الصحيحة، والقطار هو المادة 95 من الدستور أمّا السكّة الصحيحة فهي الهيئة الوطنيّة العليا المخوّلة الغاء الطائفية السياسية من النفوس، والمحطة التي يجب أن يبلغها القطار، اسمها لبنان العربي اللاطائفي. ولكي يبعد التيار الوطني الحر تهمة الطائفية عن رئيسه وقيادته وكوادره ومحازبيه ومناصريه، المطلوب من كل من ينتسب اليه في الوطن والمهجر الغناء مع روح العملاق منصور الرحباني في وطن الفقراء والجائعين والمحرومين ومنكسري القلوب، إنت مين، أنا ما بسأل، لكن حزنك قلّي مين، ولا بعرف أيّ لون وأيّ دين، بعرف أنّك خييّ خييّ بالإنسانيّة. وإلى الذي أُحبط نتيجة رفض أخيه في الوطن الإقامة معه في نفس الحي وفي نفس المبنى وفي نفس الطبقة، تحت أنظار أبٍ بائسٍ اسمه لبنان، غنّي له مع أمّنا فيروز، الأرض لنا وأنت أخي لماذا إذًا تخاصمني، هاتِ يدك. لقد حاضر التيار الوطني الحر مرارًا بمحاسن الدولتين المدنية والعلمانية، لكن العبرة في التنفيذ يا بلدية الحدث، ويا تيار التغيير.