IMLebanon

لبنان «مُحاصَرٌ» بتوتّرات الإقليم والمناخات السلبية لـ «الوكالات الائتمانية»

 

لم يعد ممكناً في لبنان القفز فوق دلالات المناخات السلبية المتوالية التي تعْكسها أبرز وكالات التصنيف الائتمانية حيال مستقبل الواقع المالي فيه، باعتبار أنها تشكّل مرآةً لحجم التحديات، الواقعية أو المُضخَّمة، التي تواجهها بيروت في مسارِها الشائك للابتعاد عن «حافة الهاوية» المالية – الاقتصادية في لحظةٍ بالغة الخطورة في الإقليم حيث يتصاعد «الغليان» الذي لا يمكن عزْل «بلاد الأرز» عن وهجه ولا سيما بحال وقوع «الصِدام الكبير» بين الولايات المتحدة وإيران.
وإذ مرّ بلا ضجيجٍ ما نقلتْه شبكة «سي ان ان» حول قيام الولايات المتحدة بشنّ هجومٍ إلكتروني كبيرٍ ضدّ «حزب الله» رمى لاختراق وتعطيل اتصالاته الشبكية، وذلك بعد أيام من إسقاط إيران، الطائرة الأميركية المُسَيَّرة، وهو ما يعني بحال صحّ إدخال واشنطن الحزب إلى مدار «المواجهة المباشرة» مع طهران، فإن صخَباً مزدوجاً ومتشابكاً من نوع آخَر ملأ المَشْهد الداخلي: أوّله بـ«مكبراتٍ الصوت» وأمام العدسات مع ما يشبه الـ«ميني ثورة عسكرية» التي ارتسمت مع عزْل العسكريين المتقاعدين العاصمة اللبنانية عن سائر المناطق لنحو أربع ساعات تخللها قطع الطرق الرئيسية التي تربط بها في أقوى «رسالة ميدانية» بوجه بعض الإجراءات الاقتطاعية والضريبية الواردة في مشروع موازنة 2019 الذي يقترب من نهاية ماراثون مناقشاته في البرلمان.
والصخب الثاني اعتمل مع «كواتم للصوت» على خلفية ما أودرته وكالة «موديز» للتصينف الائتماني من أنه «رغم مما تضمّنه مشروع الموازنة من إجراءات للضبط المالي فإن تباطؤ التدفقات الرأسمالية على لبنان وتراجع نمو الودائع يعززان احتمال تحرك الحكومة لاتخاذ تدابير تشمل إعادة هيكلة الدين أو إجراء آخر لإدارة الالتزامات قد يشكل تخلفاً عن السداد بموجب تعريفنا».
وجاء تقرير «موديز» غداة الإشارات غير المشجّعة التي عبّرتْ عنها وكالة «فيتش» بمثابة «جرس إنذار» حيال ما يمكن أن ينتظر لبنان على مستوييْن: الأوّل لجهة زيادة الضغوط على سندات الأوروبوند اللبنانية التي سجّلت في الفترة الأخيرة تراجعاتٍ متوالية، والثاني في الأسابيع المقبلة لجهة الخشية من خفْض تصنيف لبنان الائتماني مع ما سيتركه هذا الأمر من تداعيات.
ولم يكن ممكناً أمس الجزم إذا كان «ما كُتب قد كُتب» على صعيد الرؤية السلبية لآفاق الوضع المالي – الاقتصادي، أم أنّ هذا المناخ يشكّل «عصا» إضافية يفترض أن تحض القوى السياسية على «الوقوف صفاً واحداً» حول ما تضمّنه مشروع الموازنة من مسارٍ وخياراتٍ إصلاحية (ولو بالحدّ الأدنى) لخفض العجز إلى الناتج المحلي الى 7.59 في المئة كمقدّمة للاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر» (نحو 11 مليار دولار) بما يسمح بقلْب الصورة التي يعاينها «على الأرض» أيضاً وفد من صندوق النقد الدولي.
وبات هذا الضغط التصاعُدي يرسم علامات استفهام حيال كيفية كسْر «الحلقات الشاقة» التي ما زالت تعترض «آخر أمتار» مناقشات الموازنة. ذلك أن تحرّك العسكريين المتقاعدين أمس وقطْعهم طرق ضهر البيدر، والناعمة والبربارة، وطبرجا (وبعضها بالاتجاهين) مع حرْق إطارات مشتعلة في بعض النقاط يشكّل تحدياً فعلياً أمام مدى القدرة على الإبقاء على الإجراءات التي يعترضون عليها في الموازنة أو إمكان استبدالها بما يوفّر بدائل مالية تُبقي على مستوى العجز، ولا سيما أنّ «أفواج المعترضين» لوّحوا بـ«عظيم آتٍ» ما لم يتم التراجع عن نقاط الاعتراض.
كما أن نقطة أخرى جوهرية في «هنْدسات» خفض العجز في الموازنة ما زالت في دائرة الغموض وتتمثّل بإصدار الحكومة سندات خزينة قيمتها 11 ألف مليار ليرة لبنانية (نحو 7.3 مليار دولار) بفائدة واحد في المئة بالتنسيق مع مصرف لبنان والمصارف، في سياق السعي الى خفْض ألف مليار ليرة من كلفة خدمة الدين العام. إذ إن البنوك اللبنانية ما زالت ترفض الاكتتاب بغير فائدة السوق، في حين أن أخْذ «المركزي» هذا الأمر على عاتقه يُخشى أن يؤدي، الى جانب رفْع مستوى حيازته لسندات الخزينة بالعملة اللبنانية، إلى انعكاساتٍ تضخمية.
وفيما كان لافتاً ان تقرير «موديز» اعتبر أنه حتى لو شارك «المركزي» مع المصارف بإصدار سندات الـ11 ألف مليار ليرة بفائدة واحد في المئة فإن هذا «لا يمثّل شفاءً للدين» و«أن القدرة على سداد الدين تتدهور»، حرص وزير المال علي حسن خليل على التأكيد أن «الأمور تحت السيطرة وتقرير موديز يحتاج إلى قراءة متأنية والأمور ليست سلبية»، فيما ذكر خبراء ماليون بأن لبنان سدّد في مايو وابريل الماضييْن مليارا و150 مليون دولار سندات دولية ولا خوف على الوفاء باستحقاقات 2019 الباقية ولا 2020.