IMLebanon

 الاحتقان السياسي بين التهدئة والانفجار

 

استنفرت الحكومة اللبنانية أمس للملمة ذيول حادثة «عاليه» في جبل لبنان، التي انفجرت بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني على خلفية رفض الاشتراكيين لزيارة وزير الخارجية جبران باسيل الى قرى الجبل، والتي يخشى من امتداد نيرانها الى مناطق اخرى في حال لم تتم معالجة اسبابها بأسرع وقت.

هذه الحادثة التي اسفرت عن وقوع ضحايا من الطرفين استدعت اجتماعا استنثائيا للمجلس الاعلى للدفاع، حيث شدد رئيس الجمهورية ميشال عون على أن ركائز الجمهورية هي ثلاث: حرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي والتعبير عن الرأي. واصدر المجلس الاعلى للدفاع بيانا مقتضبا ذكر فيه انه «في ضوء ما حصل في عدد من قرى قضاء عالية في محافظة جبل لبنان، وادى الى سقوط ضحايا واستهداف وزراء ونواب في تجوالهم وتنقلهم والتعبير عن آرائهم بحرية، وقطع الطرق الداخلية، والعامة، وفي ضوء ضرورة الحفاظ على العيش الواحد في الجبل ورفض اي شكل من اشكال العنف الدامي، اتخذ المجلس الاعلى للدفاع قرارات حاسمة باعادة الامن الى المنطقة التي شهدت الاحداث الدامية ومن دون ابطاء او هوادة وتوقيف جميع المطلوبين واحالتهم الى القضاء». وطالب عون «الأجهزة القضائية والأمنية باستكمال الإجراءات اللازمة والضرورية وفقا للأصول والأنظمة المرعية الإجراء والقيام بالتوقيفات اللازمة في الأحداث الأمنية التي وقعت في عدد من قرى عالية».

من جهته، اتهم رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال ارسلان «نائب الفتنة» بمحاولة اغتيال الوزير صالح الغريب وقال في مؤتمر صحافي عقده أمس: «بالنسبة لنا المحرض وصاحب الفتنة هو نائب الفتنة (على ما يبدو اشارة الى النائب اكرم شهيب)، الذي يجلس على طاولة مجلس الوزراء ولا يحترم ابسط قواعد العيش المشترك وسلامة المواطنين وسلامة اهله وناسه، ما حصل فتنة مخطط لها وتم التحريض عليها قبل يومين من قبل أوباش قطاعي طرق لا يمكنهم تحمل الرأي الاخر».

الاحتقان والانفجار

كان لا بد للاحتقان السياسي المتراكم بين القوى اللبنانية ان ينفجر امنيا، فكل عناصر الانفجار «نضجت» بحسب تصريح مصدر نيابي مستقل لـ القبس. ويوضح المصدر نفسه ان الاسابيع الأخيرة شهدت خطابا سياسيا عالي السقف بين المكونات اللبنانية وبالمصادفة البحتة فإن الجامع بين هذه القوى هو وزير الخارجية جبران باسيل، الذي اشعل بتصريحاته او بمواقفه او بسلوكه او بجولاته خلافات مع كل من تيار «المستقبل»، و«القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» إضافة الى تيار «المردة». ويكاد يكون الطرف الوحيد الذي ظل بمنأى عن استفزازات باسيل هو حليفه حزب الله.

ويتابع المصدر «صحيح ان منطق «الغيتوات» مرفوض ولا يمكن ان تكون هناك مناطق مقفلة على احد، ولكن ليأخذنا الوزير باسيل «في حلمه»، ثمة واقع لبناني لا يمكن انكاره، كما أنه لا يمكن الدخول الى منطقة على وقع التوتر والخطاب التحريضي ونكء جراح الحرب «سوق الغرب وكوع الكحالة». ويتساءل المصدر لو ان الزيارة استبقت بكلام تهدوي وبمد اليد هل كنا لنشهد كل هذه الاحتجاجات والتوترات التي اعادت استحضار شبح الحرب الاهلية.

ويكشف المصدر ان تحركات باسيل هي جزء من مسار يبدو انه اتخذ بالتضامن والتكافل ما بين الخارج والداخل وينفذ بأيد لبنانية ويقضي بتحجيم واضعاف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط كآخر قلاع «فريق 14 اذار»، وهذه المحاولات بدأت منذ الانتخابات النيابية لتظهر بصورة جلية خلال تشكيل الحكومة من خلال إصرار فريق رئيس الجمهورية على تمثيل خصمه الدرزي طلال أرسلان. فرئيس الحكومة سعد الحريري منغمس في تسوية سياسية كبلته ولا يستطيع الخروج منها، وكذا رئيس حزب القوات اللبنانية المتذبذب بين المهادنة والاعتراض.

فتنة متنقلة؟

وفي اطار متصل، يمارس الوزير باسيل تقليدا جديدا على السياسة اللبنانية، كأنه في حالات انتخابات دائمة تعمد الى تجييش القاعدة الشعبية وشد عصبها. يجول باسيل على المناطق اللبنانية منتقيا بعناية مناطق لها حساسية خاصة من دون ان تكون بالضرورة معقلا لانصاره. لكن ايا من هذه الزيارات والجولات لم تمر من دون اشكالات وان كانت متفاوتة. في البقاع الغربي اشعلت زيارته خلافا مع تيار المستقبل على خلفية كلامه حول ولادة السنية السياسية على جثة المارونية السياسية. وكادت تطيح بالتسوية الرئاسية لولا ان تقاطع المصالح فرض اجتماعا لتصفية القلوب بين كل من الحريري وباسيل امتد نحو خمس ساعات. خلال جولته في منطقة بعلبك سمع باسيل من بعض الحضور اتهاما صريحا لتياره بالطائفية وبعرقلة إصدار مرسوم تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية لمصلحة وزارة المالية بسبب ما يعتبره باسيل خللا طائفيا في النتائج. وفي قضاء بشري، شمالا، معقل غريمه اللدود وحليفه في ورقة تفاهم في الوقت عينه حزب «القوات اللبنانية» حل باسيل ضيفا غير مرحب به من قبل اهالي المنطقة، ما دفع بسمير جعجع للتعليق ساخراً «كنا بحاجة إلى ميكروسكوب لرؤية الحضور».

وفي آخر جولاته، الى قضاء عالية عرج باسيل الى منطقة الكحالة، حيث توجه الى أنصاره بخطاب ذكّر فيه بـ «تاريخ الرئيس عون في الكحالة وسوق الغرب، الامر الذي لم يهضمه الاشتراكيون، لكونه يفتح جرحا من جراح الحرب الأهلية، حيث كانوا في مواجهة عون في منطقة سوق الغرب». وعلى اثر هذا التصريح أقدم مناصرون للحزب على قطع الطريق رفضاً لزيارة باسيل الى المنطقة.

وفي هذا السياق، قال الوزير السابق مروان حمادة في تصريح اعلامي ان «وزير الخارجية يتنقل من منطقة الى اخرى عوض ان يقوم بدوره كوزير خارجية، وينقل معه الفتنة من بشري الى عكار وعالية وزغرتا والكحالة، الى أن فلتت الامور في آخر المطاف».