IMLebanon

«هزّة الجبل» تصيب لبنان

لم يكن ممْكناً أمس الجزم بالمدى الذي ستبلغه «أحداث عاليه» التي وقعتْ الأحد في قلب «جبل المصالحة» المسيحية – الدرزية والتي استحضرتْ صفحاتٍ من زمنِ الحربِ اللبنانية، «أيقظتْها» تراكماتٌ من الخلافات السياسية ومن عملياتٍ «مُمَنْهَجَةٍ» لشدّ العصَب الطائفي والربْط مع استحقاقاتٍ مقبلة.
ورغم المحاولاتِ على أعلى مستوى التي تَوَّجَها أمس اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في محاولةٍ لاحتواء «هزّة الجبل» التي قُتل فيها مُرافِقان (سامر أبي فراج ورامي سلمان) للوزير صالح الغريب (من حزب الوزير السابق طلال أرسلان) وجُرح ثالثٌ فيما أصيب أحد مناصري «الحزب التقدمي الاشتراكي» (يتزعّمه وليد جنبلاط)، فقد بدا من الصعب للمراقبين فصْلُ السياقِ الأمني لِما حَصَلَ في قبرشمون خلال احتجاجاتِ مؤيّدي «التقدّمي» على زيارةِ رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل لعاليه ومحطّته التي كانت مقرَّرة في كفرمتى (الشحار الغربي)، عن «المسرْح السياسي» لهذا الحَدَث الخطير الذي استعادتْ معه البلاد مَظاهر مسلّحة لملثّمين وتوتّرات امتدّت لمناطق عدّة مع قطْع الطرق (من مناصري أرسلان) ليل الأحد الذي احتَجَزَ عشراتِ الآلاف في سياراتهم على مداخل بيروت.
ولم يكن مفاجئاً للمتابعين أن يتمّ وضْعُ «منزلَق عاليه» بين حدّيْن: أوّلهما داخلي ويتمحْور حول «الجمر الكامن تحت الرماد» في علاقة جنبلاط والتيار الحر منذ التسوية الرئاسية (2016) وما قبْلها، والتي زادَ من صعوبتها استشعار جنبلاط بأنه يفقد تدريجاً دور «بيضة القبان» في المعادلة الداخلية وبمحاولاتٍ للإخلال بالتوازنات داخل البيت الدرزي عبر رفْد أرسلان (والوزير السابق وئام وهاب) بكل أشكال الدعم وصولاً إلى الاتجاه لاقتطاع حصة درزية من التعيينات له.
أما الحدّ الثاني فيقفز إلى ربْط مشهديةِ «نحن هنا» لـ«التقدمي» بالرغبة في توجيه رسالة متعدّدة الاتجاه لا توفّر النظام السوري في ضوء ارتياب جنبلاط الذي لم يُخْفِه من محاولةِ هذا النظام تطويقه عبر حلفائه في لبنان «انتقاماً» لأدواره إبان مرحلة «ثورة الأرز» والثورة السورية.
ورغم المنحى الذي حاول تظهير ما شهدتْه عاليه على أنه في سياق الخلاف الدرزي – الدرزي، فإنّ أوساطاً مطلعة اعتبرت عبر «الراي» أن هذا تبسيط كبير في ضوء ما سبق ورافق أحداث الأحد من وقائع ظهّرتْ «الغضبة التقدّمية» على أنها بوجه زيارة باسيل التي بدأها بكلام من الكحالة حول «تاريخ الرئيس (ميشال) عون في الكحالة وسوق الغرب وضهر الوحش»، وصولاً إلى طرْح البعض علامات استفهام حول إذا كان ما ارتسم في عاليه من انفجار «القلوب المليانة» على أكثر من جبهة هو بمثابة «بوسطة عين الرمانة» أخرى، كتعبيرٍ عن المخاطر الكبرى التي حملتْها التطورات التي أثارت مخاوف فعلية على السلم الأهلي.
وطَرَح هذا المناخ الصاخب أسئلة كبيرة حول كيفية استعادة «الأمن السياسي» الذي أتاح اهتزازُه المتكرّر فتْح الواقع الداخلي على خضّةٍ بالغة الخطورة تثير علامات استفهام حول تداعياتها على محاولاتِ تصفيح الوضع المالي – الاقتصادي وعلى الموسم السياحي الذي يراهَن على أنه سيكون واعداً والذي «قَطَعتْه» أمس تحذيرات لأكثر من سفارة لرعاياها من التوجه لمكان الأحداث، ناهيك عن السؤال الأبرز المتمثّل في كيف سيكون «التعايش» على طاولة الحكومة اليوم بين وزراء «التقدمي» و«التيار الحر» وأرسلان والوزير الغريب بعدما كانت ساعات أمس حملتْ إشاراتٍ إلى أن الأمور لم تقترب من توفير ممرٍّ لـ«هبوط آمَن» من هذا الاختبار الخطير.
ومن أبرز هذه الإشارات:
* إعلان أرسلان أن ما حصل في قبرشمون كان «كميناً محكماً ومخطَّطاً له لاغتيال الوزير الغريب الذي أصيبت سيّارته بـ 18 رصاصة احداها استقرت في (المخدّة) وراء رأسه، وتالياً هو عملٌ يمس بأمن الدولة»، داعياً لإحالة الملف على المجلس العدلي وكاشفاً أن هذا الأمر سيُطرح على جلسة مجلس الوزراء (اليوم)، ومهاجماً بعنف الوزير أكرم شهيب من دون تسميته، واصفاً إياه بأنه «نائب الفتنة المتنقلة في الجبل»، ورافضاً منطق «ان يكون الناس أو أي فريق سياسي بحاجة الى فيزا لدخول الجبل»، ومنتقداً بشدّة جنبلاط ضمناً «وتقلباته»، ومحذّراً من أنه «ما لم تُثْبِت الدولة هيبتها فستكون هناك انعكاساتٌ سلبية في كل المناطق».
وما جعل كلام أرسلان، الذي زار بعدها عون (وسط تسريب حزبه فيديو لمسلّحين على سطوح أبنيةٍ في محيط موقع إطلاق النار تأكيداً على نظرية «الكمين») يكتسب أبعاداً بالغة الدلالات أنه ترافق مع معلومات عن أن اللقاء الذي جمع أرسلان في دارته ليل الأحد الى وزير «حزب الله» محمود قماطي والوزير غسّان عطاالله والنائب سيزار أبي خليل (عن التيار الحر) ووهّاب، خلص الى تفاهم على ضرورة إحالة أحداث عاليه الى المجلس العدلي واعتبار ما حصل محاولة اغتيال للغريب او باسيل، وصولاً الى كلام قماطي اللافت عن «ان العودة إلى الأعمال الميليشيوية تشكّل خرقاً للتوافق بحيث كدنا نفقد وزيراً من وزرائنا، وعصر الميليشيات ولى»، ليردّ عليه النائب فيصل الصايغ (من كتلة جنبلاط) «تهديدك المبطن لا يخيفنا».
* إصرار «التيار الحر» كما قال أبي خليل على «ان هذه التوتيرات المفتعلة تظهر وجود قوى منزعجة من صورة التيار العابر للطوائف»، موضحاً أنه قبل الأحد «تم رمي قنبلة في كفرمتى وإطلاق قذائف صاروخية في منصورية بحمدون»، فيما أعلن عطالله «ان إطلاق النار على موكب الغريب كان متعمّداً من عناصر ميليشيوية بتحريض مكشوف»، داعياً إلى محاسبة شهيّب.
* في المقابل تَمسَّك «التقدمي» بموقفه الذي حمّل باسيل مسؤولية ما حصل انطلاقاً من «كلامه الاستفزازي» في الكحالة، وبأن الحادث وقع نتيجة بدء مرافقي الغريب بإطلاق النار على المحتجّين بعد فتح الطريق عنوة في منطقة البساتين «ما أدى إلى إصابة شاب من بين المحتجين، فردّ بعض مَن كان يحمل سلاحاً باتجاه مصدر النار دفاعاً عن النفس، وهذا أمر موثّق بفيديوات».
وفيما قال جنبلاط (الموجود خارج لبنان) «لن أدخل في أي سجال اعلامي حول ما جرى، وأطالب بالتحقيق بعيداً عن الأبواق الإعلامية، وأتمنى على حديثي النعمة في السياسة ان يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم الجبل المنفتح على كل التيارات لكن الذي يرفض لغة نبش الأحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم»، أكد مفوض الإعلام في «التقدمي» رامي الريس أن «هناك مطلوبين في ملفاتٍ أخرى ومن المفترض توقيفهم وسوقهم إلى العدالة».
وفي ما يتعلق بزيارة باسيل خلال ايام إلى طرابلس، قال النائب فيصل كرامي، إن «زيارة باسيل الى طرابلس تعود إليه، إن كان سيقوم بها أو يعدل عنها وفقاً لطبيعة الأجواء السياسية والأمنية».
وأضاف: «خصومه جعلوا منه ظاهرة مسيحية».