IMLebanon

ساعاتٌ عصيبة» في لبنان سبقتْ «خريطة طريق» تطويق «انتكاسة الجبل» 

 

… «اشتدّي أزمة تهدئي!». هكذا بدا المشهدُ في بيروت أمس مع بلوغ «انتكاسة الجبل» قمةَ التأزّم الذي أَنْذَر بمضاعفاتٍ سياسية – دستورية بعد «الساعات العصيبة» التي مرّتْ بها البلاد وأوحتْ بأن الحكومةَ على مشارف منعطفٍ صعبٍ يهدّد تَضامُنها ودوريةَ انعقادها، قبل أن تنجح الاتصالاتُ المكوكيةُ عبر «الخطوطِ الساخنةِ» في توفيرِ ممرّاتٍ لـ«هبوطٍ آمِنٍ» بدأتْ خطواتُه العملية ويبقى استكمالُها رهْنَ الساعات المقبلة التي لن تستكين خلالها «كاسحاتُ الألغام».
وشكّلتْ جلسةُ مجلسِ الوزراء التي تمّ «تطييرها» ثم انعقدتْ لوهلةٍ فأرجئتْ إلى حين، المسرحَ الأبرزَ الذي دارت على تخومه عمليةُ «عضِّ أصابع»، محورها الرئيسي مطلب «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون) والنائب طلال إرسلان مدعوميْن من «حزب الله»، إحالة قضية مقتل اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب في قبرشمون في إشكالٍ مع مناصرين لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي» (يتزعّمه وليد جنبلاط) خلال جولة وزير الخارجية (رئيس التيار الحر) جبران باسيل في منطقة عاليه يوم الأحد، على «المجلس العدلي».
ومنذ أن «باغتَ» وزراء تكتل «لبنان القوي» (يترأسه باسيل) الحريري و15 وزيراً آخرين، الذين كانوا ينتظرون في السرايا الحكومية اكتمالَ نصاب جلسة مجلس الوزراء (يتأمّن بـ 20 وزيراً من أصل 30)، بما يشبه «الاعتصام» في مكتب باسيل في مقرّ وزارة الخارجية، حتى لاحتْ مؤشراتُ «شدّ حبالٍ» قاسٍ يدور في «الحلبة الخلفية» حول اشتراط هذا الفريق وضْع أحداث عاليه في عهدةِ «المجلس العدلي»، باعتبارها «محاولةَ اغتيال للغريب أو باسيل» و«تمسّ بأمن الدولة»، وذلك كمدْخلٍ لسحْب فتيل التصعيد الذي كان إرسلان لوّح به «بالفم الملآن».
ولأكثر من ساعة ونصف الساعة، عاشتْ بيروت تحت وطأةِ محاولاتِ «فك شيفرة» أوّل استخدامٍ ولو ضمني لـ«عصا» الثلث المعطّل الذي «يضعه في جيْبه» تكتل «لبنان القوي» (مع «الودائع» المحسوبة أيضاً على «حزب الله»)، وما شكّله «الاجتماعُ الوزاري المصغرّ» برئاسة باسيل من «رسائلَ» برسْم الحريري وصلاحياته، مدجّجة بإيحاءات بأن «مفتاحَ» انعقاد مجلس الوزراء في يد وزير الخارجية للضغط في اتجاه إحالة حادثة قبرشمون على «العدلي»، وذلك بعدما ارتسم انقسامٌ واضحٌ حيال هذه المسألة التي لم يحبّذها رئيس الحكومة ولا أفرقاء أساسيون آخرون، بما جعل إمرارَها في الجلسة دونه عدم قدرة على توفير الأكثرية المطلوبة (النصف زائد واحد).
ومع تَكشُّف حركةٍ حثيثة يتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، الذي تنقّل بين السرايا الحكومية و«الخارجية» ودارة إرسلان في خلدة، في موازاة لقاءاتٍ عَقَدَها الحريري مع أكثر من مكوّن حكومي معني «بالأزمة» والحلول الممكنة، و«اشتعال» خطوط الاتصال بين أكثر من مقرّ، بدا واضحاً أن الجميع أمام «توازن سلبي» ويتهيّبون انفجارَ مجلس الوزراء في لحظة بالغة الدقة داخلياً وإقليمياً، الأمر الذي ساعَدَ على إحداث كوّة في جدار المشكلة المتعدّدة الوجه ترتكز على تعطيلِ «لغم» الإحالة على «العدلي»، والتي كان من شأنها أن تشكل خطوة في اتجاه المزيد من «الإطباق» السياسي على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي يستشعر أصلاً محاولات لتطويقه وعزْله، وذلك مقابل ضمانات بتسليم المتورّطين في مقتل مرافقيْ الغريب كخطوة أولى على طريق تسلُّم ذويهما جثمانيْهما من المستشفى، ليأخذ القضاء مجراه في هذا الملف.
وفيما تَكَرَّسَ «النصف باب» الذي فُتح بحضور قسمٍ من وزراء «لبنان القوي» (لم يكن باسيل بينهم) الى السرايا الحكومية قبيل انتهاء المهلة التي كان حدّدها الحريري كآخِر «خط انتظار»، حرص الحريري على تفادي تحويل الجلسة التي تَأمّن نصابها «حلبة مصارعة» بين وزراء كانوا في الأمس القريب «على خطيْ مواجهة على الأرض»، فأرجأ الجلسة مع إطلاقه إشاراتٍ متعمَّدة سعت إلى التقليل من مَغازي ما حصل في موضوع النصاب، ومبلْوراً ضمناً إطار الحلّ الذي عُمل عليه.
فالحريري الذي خَرَجَ الى الإعلام ليتحدّث بنفسه، أكد في ما خص مسألة النصاب أن «لبنان القوي لم يردْ تعطيل الجلسة، فالوزراء حضروا لكن أنا ارتأيتُ التأجيل و (ما حدا يلعب معي) هذه اللعبة (…) ومَن يضع عليّ فيتو أضع عليه فيتوين»، مشدداً على أن «الحكومة والوفاق بألف خير وخلال 24 او 48 ساعة نحدد موعد الجلسة». وكشف «حصول توقيفات للبعض، والقضاء سيأخذ كل الخطوات لمحاسبة الذين ارتكبوا الجريمة»، متسائلاً «هل نفجر الوضع أو نعطي القضاء والأجهزة الأمنية فرصة للعمل؟»، لافتاً إلى أن «الخلاف ليس على مجلس عدلي أو غيره، فما يهمّنا هو النتيجة، وهناك تجاوب كبير من الأفرقاء، ثم ما هي القضايا التي حُلت في المجلس العدلي؟ الطريقة التي تحصل اليوم أسرع (…)».
ولم تتأخّر الإشارات التبريدية المتلاحِقة في الظهور. فجنبلاط أكد في تغريدة له، غداة وصْف «التقدمي» المداهمات التي تحصل في الجبل بأنها «همجية وبربرية»، أنه «بعيداً عن سيل الشتائم والتحريض، فإن (الاشتراكي) ليس فوق القانون بل هو الذي طالب من اللحظة الأولى بالتحقيق، وفي هذه المناسبة يتقدّم بالتعزية لأهالي الضحايا ويتمنى الشفاء للجرحى ويشيد بدور الجيش والمخابرات وكافة الأجهزة الأمنية في تثبيت الأمن والاستقرار».
علماً أن هذا الموقف جاء بعدما تقدّم «الاشتراكي» صباحاً بشكوى قضائية ضد الغريب باسم الجريحيْن من مناصريه اللذين يقول إنهما سقطا برصاص مرافقي الوزير.
وعلى «الموجة» نفسها أتى تأكيد اللواء ابراهيم «أن ما نقوم به هو تسليم المتورطين في الحوادث الأخيرة، ودوريات الامن العام تسلّمت 3 متورطين من منطقة بيت الدين من أصل اللائحة وما يهمّنا هو المبدأ وليس العدد»، وذلك بعدما كان النائب ارسلان ربط تسلُّم جثتيْ مرافقيْ الغريب بتسليم المتورّطين وليس الإحالة على «العدلي».
وتُوِّج هذا المناخ بما نقلتْه «وكالة الأنباء المركزية» عن زوار رئيس الجمهورية من عدم السماح بعودة الأمور في الجبل الى الوراء وسعيه الى تعزيز مصالحة 2001 (المسيحية – الدرزية)، وتأكيده على «المعالجة القضائية بحيث يأخذ التحقيق مجراه للوصول الى الحقيقة كاملة لتكون الخلاصات التي سيتم الوصول اليها نموذجاً يحتذى من حيث تحرك النيابة العامة التمييزية التي سارعت الى وضع يدها على الملف الذي لا مانع من سلوكه اي منعطف آخر إذا لزم الأمر سواء المجلس العدلي أو سواه».