IMLebanon

جنبلاط – “حزب الله”: الالتباسات “تعلّق” التواصل

كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:

رغم التقارير الموزّعة يمنة ويسرة مستبقة وصول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى منطقة عاليه، التي تفيد بالأدلة والبراهين، أنّ المنطقة “تغلي” اعتراضاً على قدوم زائر “غير مرغوب فيه”، ومن شأنّ حالة الممانعة أن تثير الغبار حول الجولة وتعرقل مسارها، إلّا أن أّياً من المعنيين، لا سيما “كبار المتابعين” لم يخطر في باله سيناريو الدم.
يقول مصدر بارز في قوى الثامن من آذار، إنّ ما حصل يوم الأحد مستغرب جداً. الأزمة التي تحيط بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط وتزيده توتراً، باتت جليّة للعلن. ولا حاجة للتدقيق بمضمون محضر غير رسمي، مسرّب على لسان رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” ويشكو فيه من “ضياعه” في بحر المتغيّرات الاقليمية، ومن معاناته من تفكك منظومة حلفائه… للتأكد من عمق الأزمة التي تهدد زعامة باتت تبحث عن دور وضمانات.

لا شكّ أنّ تغريدة رئيس الحكومة سعد الحريري في تعليقه على انفجار “القنبلة الجنبلاطية” قبل نحو أسبوعين، كانت أكثر من معبّرة ودقيقة: “‏مشكلتكم يا إخواننا في “الحزب التقدمي الاشتراكي” مش عارفين شو بدكن لما تعرفوا خبروني”.
فأزمة الجنلاطيين لم تكن في اختلال العلاقة مع “تيار المستقبل” كما قال وزير الصناعة وائل أبو فاعور، وإنما في موقع زعيمهم في التركيبة الحاكمة. يشعر جنبلاط أنه معزول، يخوض معركة حضوره في الدولة “العونية”، منفرداً.
جنبلاط أحد زعماء الحرب، والأرجح الأكثرهم شراسة، جلس إلى طاولة “الطائف” شريكاً أساسياً في صياغة التوازنات الجديدة التي حكمت البلاد منذ انتهاء الحرب. عرف كيف يدوزن علاقته بدمشق حين كانت الغلبة لها في لبنان، وعرف كيف يقود “ثورة الانتفاضة” على الوصاية السورية حين بدت الظروف الاقليمية عاملاً مساعداً للمتغيّرات الداخلية.

الزعيم الدرزي، الذي فرض نفسه لاعباً مؤثراً بمعزل عن عامل الأحجام والأعداد، جاعلاً من المختارة ممراً إلزامياً لأي خطوة قد تقدم عليها السلطة اللبنانية، سواء كانت بحجم انتخاب رئيس للجمهورية، أو تعيين حاجب على باب احدى المديريات… راح يشعر أنّه محاصر.
موجبات هذا الحصار متعددة: علاقة ملتبسة مع “حزب الله”، أزمات ساخنة مع العهد على رغم محاولات رئيس الجمهورية تبريدها، معارك متقطّعة مع رئيس الحكومة وحروب “قضم” داخل البيت الدرزي. لم يبقَ سوى صديقه “العتيق” نبيه بري. ولكن الأخير فقد الكثير من هالته ودوره، ولم يعد في استطاعته اجتراح المعجزات.
باتت المختارة على الهامش. وحده الصوت المرتفع قد ينقذها من “الاعدام”، في ظل خصومة “قاتلة” مع دمشق مقابل غلبة حلفائها على الساحة اللبنانية، و”تقليعة” متعثّرة لتيمور جنبلاط… كلها أسباب تزيد من قلق البيك الدرزي. ولذا تراه يقاتل “دبّان وجهه” تعبيراً عن نقمته على كل ما يحيط به.

اذاً، توتر جنبلاط مفهوم. لكنّ تطور الأمور لتأخذ منحى أمنياً هو المستغرب بنظر قوى الثامن من آذار، التي تكاد تجزم أنّ ما حصل يوم الأحد لم يكن مخططاً له، وإنما خرجت الأمور عن السيطرة. خطاب باسيل استفزازي وفق تقييم كامل الطبقة السياسية، ولكن لا يمكن لجنبلاط أن يكون في وارد اقحام الطائفة في بحر الدم.
ولهذا يعتقد المصدر أنّ الأمور تتجه إلى التهدئة ومحاصرة بقعة التوتر، مشيراً إلى أنّ “حزب الله” كان حريصاً على الدعوة إلى الحفاظ على الاستقرار وصيانته ومحاكمة الفاعلين، وهو المقتنع أنّ التوتر الأمني هو خاصرته الرخوة في كل المستنقع الداخلي.
عملياً، انضم ملف قبرشمون إلى الملفات الخلافية التي تسبب إلتباساً في العلاقة بين “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، لا بل زادتها أحداث الشحار الغربي التباساً بسبب الشرخ الدرزي- الدرزي. لا يزال معمل عين دارة حاجزاً بين الطرفين على رغم محاولات رئيس مجلس النواب نبيه بري ايجاد صيغة توافقية، لكنها باءت جميعها بالفشل.
كما يشكو “الحزب” من اصرار جنبلاط على مهاجمة مرجعيته الدينية على رغم اتفاقهما على تحييد الملفات الخلافية، لكن خطاب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” يلقى أصداء سلبية لدى جمهور “الحزب”.

قبل أيام قليلة كان دروز الثامن من آذار، يعلنون بالفم الملآن دخولهم جنة التعيينات الإدارية على قاعدة مشاركة جنبلاط بالثلث. ويعرف الأخير جيداً أنّ “حزب الله” هو الذي سيغطي مطلب حلفائه، والأرجح أنّه يخشى أن يكون الحريري وباسيل متفاهمين على حشره في الزاوية، وهو المرجح، كلّ له اعتباراته وحساباته.
ولكن ما لا يعرفه جنبلاط هو أنّ “حزب الله” بات مقتنعاً أنّ تفضيل مصلحة المختارة على حساب مصلحة حلفائه الدروز، خطأ لن يرتكبه من جديد. والأكيد أنّ العلاقة لا تزال عالقة في عنق الزجاجة، تحتاج إلى تسوية وتصحيح، والاتصالات لم تخرج من خطّ الطرف الثالث.