IMLebanon

قراءة في تقرير صندوق النقد: القدرة على الصمود تتآكل

كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:

 

لا تزال أصداء تقرير بعثة صندوق النقد الدولي الذي صدر مساء أمس الاول تتردّد في الأوساط المالية لا سيما توصيته للمركزي بعدم الاكتتاب بسندات الخزينة المخفضة لأنها ستؤدي الى تدهور ميزانيته، واقتراح التقرير رفع الضريبة على القيمة المضافة ورفع تعرفة الكهرباء في أقرب وقت ممكن وزيادة الرسوم على المحروقات.
اعتبر صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره بناء على النتائج والتوصيات الرئيسة التي خلصت اليها البعثة التي زارت لبنان، واستنادا الى المناقشات التي أجرتها مع المسؤولين الى انّ الحكومة اليوم أمام فرصة لتنفيذ إصلاحات أساسية لإعادة التوازن إلى الاقتصاد اللبناني. ولم يُخفِ التقرير انّ وضع الحكومة صعب، نظراً لارتفاع نسبة العجز والديون في مقابل نمو منخفض.

ورأى التقرير انّ تقوية الاقتصاد اللبناني تتطلب العمل على ثلاثة اصعدة:

• خطة مالية متوسطة الأجل ذات مصداقية تهدف إلى تحقيق فائض مالي أوّلي كبير ومستدام، من شأنه أن يخفض بثبات نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مع مرور الوقت.

• إصلاحات هيكلية أساسية لتعزيز النمو والقدرة التنافسية الخارجية، بدءاً من تحسين الحوكمة وتنفيذ خطة إصلاح قطاع الكهرباء وتوصيات الرؤية الاقتصادية للبنان.

• إتّخاذ تدابير لزيادة مناعة القطاع المالي من خلال تعزيز ميزانية مصرف لبنان ودعم رؤوس أموال المصارف.

وتضمّن التقرير 29 بنداً، ممّا جاء فيه: سيؤدي شراء السندات الحكومية اللبنانية المقترحة ذات الفائدة المنخفضة إلى تدهور ميزانية المصرف المركزي وتقويض مصداقيته، ولا ينبغي فرض أيّ ضغوط على البنوك الخاصة لشراء السندات. وقال: إنّ على مصرف لبنان المركزي أن يتراجع عن «العمليات شبه المالية» وعن مشتريات السندات الحكومية، ليتيح للسوق تحديد العائدات على الدين الحكومي.

واعتبر صندوق النقد أنّ الميزانية وخطة إصلاح قطاع الكهرباء، التي أُقرَّت في نيسان هي «الخطوات الأولى على طريق طويل» لإعادة التوازن إلى الاقتصاد. وقال إنّ الحكومة اللبنانية «أمامها الآن فرصة لتنفيذ الإصلاحات وتغيير المسار». أضاف: «بناءً على المعطيات الحالية، من المتوقع أن يتجاوز العجز المقدر بكثير المستوى المستهدف الذي أعلنته الحكومة». وتوقع صندوق النقد أن تؤدي التدابير في ميزانية 2019 إلى خفض العجز المالي إلى حوالى 9.75 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 وليس الى 7.6 في المئة كما تتوقع الحكومة.

ورأى التقرير أنه يجب أن تشمل تدابير الإيرادات رفع ضريبة القيمة المضافة (VAT) وزيادة رسوم الوقود بالإضافة إلى الجهود المبذولة لزيادة الالتزام الضريبي. يمكن أيضاً جعل الزيادة الموقتة في ضريبة دخل الفوائد في ميزانية 2019 دائمة. ويمكن أيضاً زيادة الإيرادات بشكل كبير من خلال توسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة لتشمل على سبيل المثال إلغاء الإعفاءات على بعض السلع النوعية مثل اليخوت المسجّلة في الخارج والديزل المستخدم لتوليد الكهرباء والمركبات على الطرق. كما دعا التقرير الى تحسين الإدارة الضريبية، والتي يمكن أن تحقق إيرادات إضافية ذات مغزى، بما في ذلك مَن يتهربون حالياً من الضرائب.

واعتبر التقرير انّ إلغاء المساعدات المقدمة للكهرباء هو أهم توفير محتمل للإنفاق. وتهدف خطة قطاع الكهرباء إلى تحويل معامل الكهرباء العاملة على الوقود إلى الغاز الطبيعي لخفض تكاليف الإنتاج في المصانع القائمة، وزيادة قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تلبية الطلب. ويجب على الحكومة ضمان أن تشمل خطة الكهرباء زيادة التعرفة بما تكفي لسدّ العجز في مؤسسة كهرباء لبنان على المدى المتوسط ​​كسبيل للحدّ من الخسائر الفنية وغير الفنية. ويشدد التقرير على ضرورة البدء بزيادة التعرفة في أقرب وقت ممكن لتحقيق وفر مالي. وحذّر التقرير من أنّ لبنان ما زال يواجه مخاطر وأنّ الفشل في تحقيق الأهداف أو المضي في الإصلاحات قد يقود لتآكل الثقة.

وزني
في قراءة أوّلية للتقرير، أشار الخبير الاقتصادي غازي وزنه الى انّ التقرير شدّد على أربع نقاط هي:

– تقديرات العجز غير دقيقة ومن الصعب تحقيقها لذا يستبعد ان ينخفض العجز الى 7.6 في المئة بل رجّح ان تكون 9.75 في المئة.

– تقديرات العجز غير كافية وكان يجب ان تتضمّن مزيداً من الإصلاحات لا سيما ما يتعلق بالرواتب والأجور والنظام التقاعدي.

• أوصى التقرير بعدم شراء السندات الحكومية اللبنانية ذات الفائدة المنخفضة لانها ستؤدي إلى تدهور ميزانية المصرف المركزي.

• أوصى التقرير أيضاً، بزيادة الايرادات من خلال الضريبة على القيمة المضافة وزيادة الرسوم على المحروقات.

ولفت وزني الى انّ اعتبار صندوق النقد الدولي انّ تقديرات العجز غير دقيقة منطقي جداً وسبق لنا أن قلنا في مناسبات عدة إنّ تقديرات الحكومة للعجز متفائلة جداً، فالعجز بتقديرنا سينخفض الى 9% من الناتج المحلي وليس اكثر من ذلك.

أما دعوة التقرير الى احتواء الدين العام فهو واقعي ايضاً لأنه حتى الساعة ليست هناك ايّ معالجة فعلية للدين العام. والحكومة مدعوّة اليوم لاتّخاذ مجموعة إجراءات لا سيما منها خصخصة بعض المرافق العامة مثل مرفأ بيروت، كازينو لبنان، شركة طيران الشرق الاوسط، إذ لم يعد يمكن الاستمرار بهذا الحجم من الدين العام. كما يجب البدء بإنشاء مشاريع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وعن دعوة صندوق النقد المصرف المركزي الى التراجع عن شراء السندات الحكومية اللبنانية ذات الفائدة المنخفضة، قال وزني: إنّ هذه التوصية من صندوق النقد تشير الى أنه لم تعد لمصرف لبنان القدرة على تمويل الدولة. فالواقع انّ 52% من سندات الخزينة بالليرة و20% من سندات اليوروبوند بيد مصرف لبنان وهذه الخطوة غير منطقية، كما انّ قدرة مصرف لبنان على الصمود وحماية الاستقرار النقدي بدأت بالتآكل مع الوقت لذا يُفترض الإسراع في اتّخاذ إجراءات في هذا الشأن.

وعمّا اذا كانت توصية صندوق النقد هذه تُعتبر انتقاداً لسياسة مصرف لبنان، قال: الصندوق يوصي فقط ويبعث برسائل مفادها انه لم تعد للمركزي القدرة على الاستمرار في تمويل عجز الدولة وانّ خطوة الاكتتاب بفائدة 1% غير ايجابية.

اضاف: إنّ مصرف لبنان تعهّد الاكتتاب بالسندات وسيقوم بهذه العملية رغم النصائح الموجّهة اليه للتخفيف من العجز، آملاً في أن يتمكن من إقناع المصارف بأن يشاركوه في هذا الاكتتاب، موضحاً انّ المصارف ترفض ذلك لأنه باكتتابها في سندات الخزينة يصبح مجموع ما تدفعه للدولة 850 ملياراً وهذا مبلغ كبير. فهي ستدفع للدولة 400 مليار ليرة نتيجة رفع الضريبة على الفوائد من 7 الى 10 في المئة، واذا شاركت بالاكتتاب ستكون حصتها 450 ملياراً، لذا ترفض المصارف هذه الخطوة.