IMLebanon

“اتركوا الجبل يعيش!” (بقلم شادي طنّوس)

لا أتكلم إلا بلسان شاب أمضى معظم حياته في قرية في جبل لبنان، مرت بأبشع مراحل حرب الجبل، حيث لم يسلم فيها لا حجر ولا بشر.

وفي وقت لم تكن الحرب إلا عملا فرضته الظروف والأحوال التي عاناها أهلي وأهالي قرى الجبل المتفتت والمنقسم بين مجموعات، كان خطر الرحيل إلى غير عودة هو المرجح، لكن بعد الحرب وبشاعتها، حلّ إصرار أهل الجبل على العودة إلى ضيعهم وممتلكاتهم وأرزاقهم، غير آبهين لصعوبة هذه العودة. قرارهم واضح: “لن نبقى مهجّرين وسنعود إلى قرانا وتراب أجدادنا”. بيوت مهدمة، أرزاق منهوبة “مش هم”، المهم العودة.

شكّل عام 2001 عام الأمل وعام سيعيد تثبيت أهل الجبل بأرضهم، على يد بطريرك الاستقلال الثاني الراحل مار نصرالله بطرس صفير ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط. توجه صفير إلى الجبل حاملا راية السلام بين مكونات الجبل على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم وحث المسيحيين على العودة إلى أرضهم وطي صفحة الماضي الأليم وتكريس العيش المشترك قولا وفعلا مع الطوائف الأخرى.

لكن كل ما قلته “تبخر” في لحظة شؤم هزت كيان الجبل ليل الأحد وجعلته على بعد أمتار من زمن لا يرغب أحد في العودة إليه. الجبل مفتوح للجميع، مثله مثل كل المناطق اللبنانية، لا يحتكره أحد ولا يحق لأحد احتكاره. هو الذي يستقبل ويرحب بالجميع من دون استثناء.

لكن في المقابل، الجبل ومصالحته خط أحمر. والجبل لا يحتمل الاستفزازات والعنتريات من أي جهة سياسية. الجبل قلب لبنان وإذا كان الجبل بخير، فلبنان بخير. لا نريد نبش القبور، والتكبر والاستعلاء والاستقواء أمور لا تمر ويجب ألا تكون، لا في الجبل ولا في أي منطقة لبنانية.

“اتركوا الجبل يعيش”، “اتركوا للجبل استقراره”، وطلب من كافة الأفرقاء السياسية: دعوا خلافاتكم خارج الجبل ولا تجعلوا شبانه يكرهون أرض أجدادهم، إذ إنه إذا كان قدر الجبل عيش الأزمات وأن تبقى دموع أمهاته على وجوههن، فسلام على المصالحة وسلام على الجبل.