IMLebanon

طفلي “عسراوي”… ما العمل؟!

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

يفضّل أطفال كثر إستعمال يدهم اليسرى بدلاً من اليمنى خلال نشاطاتهم اليومية. ويسبب ذلك ردة فعل سلبية من الأهل. فيهلع هؤلاء عندما يرون طفلهم يستعمل «اليد الخاطئة» في نظرهم. وتتفاقم المشكلة عندما يتوجه الطفل للمرة الأولى إلى المدرسة، حيث تهلع ايضاً المعلمات اللواتي يحاولن وبشتى الطرق إجبار الطفل على استخدام يده اليمنى أثناء نشاطه اليومي أو خلال الكتابة. ويجد الطفل بالبطبع الكثير من الصعوبات جراء هذا «التبديل»، ما يجعله يكره المدرسة. فلماذا بعض الاطفال «عسراويون» والبعض الآخر يستعملون يدهم اليمنى تلقائياً خلال يومياتهم؟ كيف يمكن للأهل أن يساعدوا الطفل العسراوي؟

«ربط اليد اليسرى» أو مكافأة الطفل كل مرة يستعمل فيها يده اليمنى، أو توجيه إنذارات له حتى خلال اللعب إذا كان يستعمل يده اليسرى… وغيرها من الأمور التي تستفزّ الطفل العسراوي الذي يستعمل وبدون تفكير «يده الخاطئة» بحسب والديه… أمر غير مقبول. حتى إنَّ الأهل يتوجهون لدى الأخصائيين لأخذ آرأئهم الموضوعية حول «العسراوية». وعلى رغم من التطمينات والتفسيرات العملية والمنطقية، يظل الوالدان خائفين على مستقبل طفلهما بسبب إستعماله ليده اليسرى.

لماذا بعض الأطفال «عسراويون»؟

حوالى 13% من الذكور و11% من الإناث في العالم عسراويون. وقد لاحظ علم النفس الإجتماعي أنّ الأشخاص العسراويون هم غالباً من الفئة الأكثر طلاقة في الخطابة. كما أنّ حوالى 50% من العلماء والفنانين هم أشخاص يستعملون يدهم اليسرى خلال يومهم.

أثبتت دراسات عملية كثيرة في «علم نفس النمو» و«علم الطفولة» أنّ الطفل الذي يستعمل يده اليسرى طبيعي، ويعود الأمر إلى الأوامر العقلية، البيولوجية، التي تدفع الطفل إلى إستعمال هذه اليد وليس تلك. والذي يجب أن يعرفه الأهل حول هذا الموضوع هو أنّ هذه العادة ليست مكتسبة أبداً. كما اعتبرت بعض الفرضيات أنَّ إرتفاع هورمون التيستيرون خلال الحمل قد يؤدي إلى تثبيط نمو النصف الأيسر من الدماغ، أي الجزء الذي يتحكّم بحركة اليد اليمنى. كما هناك بعض الدراسات التي أكدت بأنّ الأطفال العسراويين يفضلون الاختصاصات الفنية الإبداعية كالرسم والنحت. وهناك الكثير من الفنانين العسراويين كـ«شارلي شابلين» و«بابلو بيكاسو» و«ليوناردو دافينشي»… كما هناك الكثير من العلماء الكبار الذين كانوا يستعملون يدهم اليسرى في حياتهم اليومية كالموسيقار النمساوي «موزارت»، والقائد الفرنسي «نابوليون بونابارت»، العالم الإلماني «ألبرت أنشتاين»، والرئيس الأميركي السابق «باراك أوباما»…

عندما يكتشف الأهل أنّ طفلهم «عسراوي»

لا يمكن إكتشاف ميل الطفل لاستعمال يده اليمنى أو اليسرى قبل عامه الرابع او الخامس. قبل هذا العمر، يستعمل عادةً الطفل كلتا يديه في اللعب والرسم وطلب الأشياء… ولكن غالباً ما تنتبه الام الى اليد الأكثر إستعمالاً عند طفلها. والكثيرات من الأمهات يجبرن الطفل على استعمال اليد اليمنى فقط، وإلّا «لن يحققن مبتغاه». وعند دخول الطفل الى المدرسة، تتضح صورة «اليد المهيمنة» خلال النشاطات التي تؤمّنها المعلمة في اليوم المدرسي. وينتاب الكثير من الأهالي قلق كبير تجاه طفلهم، معتبرين أنّه سيواجه مشكلات شتى لأنه عسراوي، ومنها:

– مشكلات في طريقة الكتابة،

– صعوبة تعلم عزف الموسيقى، خصوصاً بعض آلات الموسيقى كالكمان،

– تصميم بعض الأجهزة والمعدات فقط لليد اليمنى وليس لليسرى، حتى تصفّح الكتب والمجلات أسهل باليد اليمنى…

ولكن يجب أن يعرف أيضاً الأهل أنَّ طفلهم العسراوي يمكن أن يتميز في استعماله يده اليسرى في الكثير من الأمور، خصوصاً في الرياضة كرياضة كرة القدم، وفي التنس والملاكمة. كما هناك نظريات تؤكد أنّ الأطفال ذوي الذكاء الخارق عسراويون.

دور الأهل تجاه طفلهم العسراوي

في الخامسة من العمر، يمكن معرفة ما إذا كان الطفل عسراوياً أم لا. خلال هذه الفترة، يصبح الطفل أكثرَ نضجاً على صعيد «صورة الذات» أو صورة الجسد، حيث يستطيع أن يحدد تواجده في الزمان وفي المكان. ويعني ذلك أنّ الطفل قادر أن يحدد كيفية الوصول من مكان إلى مكان آخر من خلال إستعمال جسده ويديه اليمنى واليسرى، كما يعرف تحديد الأشياء الموجودة بقربه، وكل ذلك يساعده في إكتساب عملية القراءة والكتابة. ويبقى للأهل دور بارز في مساعدة طفلهم في يومياته، لا سيما أنَّ الحياة الخارجية أسهل لتأقلم الأطفال الذين يستعملون يدهم اليمنى، لا للأطفال العسراويين. ولكن هناك بعض الخطوات التي يمكن تطبيقها لمساعدة الطفل، وهي:

– طاولة الطفل في الصف يجب أن تناسب طريقة الكتابة عند الطفل العسراوي

– إعطاء للطفل العسراوي وقتا إضافيا، خصوصاً عندما يكون في طور تعلم الكتابة، لأنه بحاجة لهذا الوقت. كما يجب أن يقوم بتمارين عدة في البيت بمساعدة أمه وأبيه

– وضع الورقة أو الدفتر بطريقة تساعد الطفل العسراوي في الكتابة. ويمكن أن يتمرن خلال العطلة الصيفية مع والديه من خلال نشاطات وليس توجيهات قاسية تجعله يكره الدراسة والمدرسة.

– في بعض الأحيان، يواجه الطفل العسراوي بعض المشكلات المتعلقة بكتابة بعض الأحرف. يجب تفهّم الوضع ومساعدته وليس لومه وتوبيخه. كما يمكن طلب مساعدة من معالجة نفسي- حركي، الذي يمكن أن يساعد كثيراً في هذا المضمار.