IMLebanon

نصرالله: “فلنخبز بالأفراح”! (بقلم راجي كيروز)

من المعروف عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطاباته ومقابلاته – إلا في المناسبات الاستثنائية – أنه يبدأ كلامه غالبًا بالحديث عن واقع “المقاومة” ومواجهتها القائمة ضد إسرائيل، وبعدها عن الوضع الإقليمي – خاصةً السوري -، ليصل ختامًا إلى الوضع الداخلي، أي هموم المواطن اللبناني “البسيطة”. هو نفسه رد على المنتقدين، في مقابلته يوم الجمعة على “المنار”، بالقول إن الحديث عن الحرب مع إسرائيل هو شأن داخلي، في نبرة لا تخلو من التخوين في غمز إلى أن ثمة لبنانيين لا يعتبرون المقاومة ضد إسرائيل شأنًا محليًا. وردًا على سؤال الإعلامي عماد مرمل عن علاقة “حزب الله” السيئة مع رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، قال في بداية إجابته إن الحديث عن هذا الموضوع يبدو هامشيًا بعد حديثه عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، لكنه سمح ببعض من وقته للحديث بالتفصيل عن سبب سوء العلاقة.

“حزب الله” أصبح خارج المعادلة السياسية منذ زمن، وهذه ليست مفاجأة كشفها السيد بالأمس. فهو نفسه ذكر في أحد خطاباته الأخيرة أن الوقت حان للتركيز على الشأن الداخلي، السياسي تحديدًا، من خلال إطلاقه حملة “الحزب” لمكافحة الفساد. نحن، كلبنانيين، لم نعد نستغرب أيًا من كلام نصرالله عن وجود حزبه في سوريا ومقاومة حزبه ضد إسرائيل ودعم حزبه إيران في أي مواجهة محتملة ضد “الشيطان الأعظم”. لكن أي مواطن غير لبناني يتابع مقابلته الجمعة، يدرك إلى أي حد مخيف أصبحت فيه السيادة اللبنانية مستباحة، وكأن “حزب الله” هو دولة، ولبنان دولة أخرى، لكن شاء القدر أن يجمعهما على أرض واحدة، مساحتها ضئيلة.

في بداية المقابلة، كان السيد يفاخر بالتطور الهائل في صفوف “المقاومة” وسلاحها، فأخبرنا عن الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة، التي لا يملكها الجيش اللبناني نفسه. في أي بلد آخر، طبيعي في الحد الأدنى، من المستحيل أن يقبل مسؤولوه وشعبه بسماع هذا الكلام. رئيس حزب يتكلم بأريحية تامة عن قدراته العسكرية الهائلة، التي تتخطى بوضوح قدرات جيشه النظامي. هذا عار على ما يسمى لبنان، حتى لو أصبح هذا الواقع جزءًا من وعينا ولاوعينا ولم يعد يحرّك فينا شيئًا.

وفي جزء آخر من المقابلة، تحدث نصرالله عن تخفيض أعداد عناصر حزبه في سوريا “لأنها بدأت تتعافى وتبسط سيطرتها”، مؤكدًا أن قرار انسحابه الكامل لم يحن بعد، وهو يتبلّغ ذلك من السوري وليس من الروسي. كما لم يفوّت فرصة التشديد على أنه مستعد للعودة بأعداد إضافية إذا اقتضت الحاجة. هذه ضربة هائلة أخرى لكيان يسمى لبنان، إذ إن حزبًا فيه يقرر متى يريد خوض حرب في بلد آخر ومتى لا يريد، وينسّق بشكل طبيعي مع نظام تلك الدولة متخطيًا شبح الدولة عندنا.

وفي ختام المقابلة، علّق السيد بتهكّم على العقوبات الأميركية الجديدة على النائبين محمد رعد وأمين شري والمسؤول في الحزب وفيق صفا، معتبرًا أنها “شرف في الدنيا ويوم القيامة”، إلا أنه حمّل الدولة مسؤولية الرد على “الإهانة” الأميركية بحقها من خلال وضع نائبين منتخبين على لائحة الإرهاب. هي قد تكون إهانة فعلًا، لكنها ظهرت بمثابة نكتة لا أكثر بعد الإهانات العديدة التي تفوّه بها نصرالله على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة بحق هذه الدولة نفسها. وذهب أبعد، ردًا على سؤال عن إمكان أن تطال تلك العقوبات حلفاء “حزب الله” اللبنانيين، بالقول إنها مسؤولية الدولة اللبنانية ولا دخل للحزب فيها (وكأن سببها أصدقاؤنا في قبرص)، لكنه أضاف أن على الدولة أن تختار بين الحفاظ على “نقطة قوة” لبنان أو التخلي عنها تحت ضغط العقوبات، وهذا ابتزاز واضح للدولة بأن وجود “المقاومة” حتمي وأزلي، ولا أحد يستطيع المس به.

في أي حال، وبكل صراحة، لبنان يستحق هذا المصير. فرئيس جمهوريته راض، ورئيس حكومته راض، ورئيس برلمانه راض، وباقي مكوناته السياسية متعايشة مع الوضع القائم وتعي أنها عاجزة عن أي تحرك، إلا بكلمة من هنا وأخرى من هناك كحد أقصى. فـ”لنخبز بالأفراح”، على حد تعبير السيد نفسه.