IMLebanon

غدير الموسوي فتحت الباب على المظالم اللاحقة بالمرأة الشيعية

كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

من حسنات أن يطاول الظلم هذه المرة ابنة نائب في أقوى حزب لبناني، أن الحادثة كشفت لـ”حزب الله” قبل غيره وجود مشكلة كبيرة داخل المحكمة الجعفرية، التي تفصل في أحوال أبناء الطائفة الشيعية. إذ أظهرت حادثة غدير نواف الموسوي حجم الظلم الواقع على جميع النساء الخاضعات لأحكامها، وغيرها من المحاكم الشرعية. وأثبتت أن المرأة الشيعية عرضة للقهر والاضطهاد متى اختلفت مع زوجها، حتى وإن كانت إبنة رجل ذي نفوذ. في ظل غياب أي قانون لحمايتها، بل وبحكم قوانين تجعلها عرضة للابتزاز بأمومتها وحريتها.

نجت غدير من مرض السرطان لكنها لم تنجُ من أحكام المحكمة التي ستنهش روحها لسنوات. ويأتي كلام النائب نواف الموسوي عن سوء أفعال صهره وتعريضه حياة أطفاله للخطر ليفضح أكثر المحكمة، وليثبت أنها تصدر أحكامها بناءً على نصوص جامدة ولا تأخذ بالاعتبار وضع الأهل والأطفال والمخاطر التي قد تنجم عن أحكامها. ولعل الامتياز الوحيد الذي امتلكته غدير الموسوي وسمح لها بإعادة شيء من توازن الرعب في العلاقة مع طليقها أنها ابنة رجل قادر على اصطحاب مسلحين إلى المخفر والانتقام المباشر من الصهر مطمئناً إلى حصانته الحزبية (ولو اهتزت) والحصانة النيابية. وأن والدها يملك مالاً يدفعه لصهره كي تتمكن ابنته من الحصول على الطلاق الذي جعلته المحكمة حقاً حصرياً للرجل.

هو امتياز دفع بالصحافية بادية فحص لكتابة منشور عبر “فيسبوك” تحسد فيه غدير الموسوي “رغم مأساتها لثقتها أنها حين تستنجد بأبيها يمكنه أن يحرك جيشاً لإنقاذها. أحسدها وأتذكر أبي الذي استضعفته الطائفة كلها ووقفت ضده حتى في عاطفته، أبي الذي مات قبل أن يرى حفيديه…”.

حرمان عمره 11 سنة

فلفحص التي حرمت من رؤية طفليها منذ نحو 11 عاماً، معاناتها أيضاً مع المحكمة الجعفرية. وتروي ابنة رجل الدين الراحل السيد هاني فحص المعارض للثنائية الشيعية، لـ “نداء الوطن” قصتها. فبتاريخ 7 أيار من العام 2008، تزامناً مع الأحداث الشهيرة، نفّذ والد طفليها تهديده لها بحرمانها منهما، إياد (عامان وسبعة أشهر) وعلي (سبعة أشهر) بعد أن طلبت الطلاق لأنه تزوج بامرأة ثانية. تشير فحص إلى تأثير الانتماء السياسي لوالدها على قضيتها. “فقد دعمت جهة سياسية طليقي، وكان جو المحكمة ضدنا فحاولوا الانتقام من والدي سياسياً عبر هذا الموضوع ونجحوا”. بعدها لجأت فحص إلى مكتب السيد محمد حسين فضل الله، وتمكنت من الحصول على حق رؤية طفليها مرة في الأسبوع لكن طليقها تمنّع عن تنفيذ القرار. “لجأتُ إلى النيابة العامة فقرَرت أن أستلم طفليّ من المخفر كلما أردت رؤيتهما وإعادتهما بعد 24 ساعة، لكنني وبعد تجارب الأصدقاء عرفت حجم الإهانة التي تتعرض لها المرأة والأطفال في المخافر، فرفضت تعريض طفلي لهذا الأذى وسعيت لرؤيتهما عبر وساطة أصدقاء من دون جدوى”. ولم تواجه بادية الشرع وحسب، وإنما واجهت أيضاً أحكام المجتمع غير المتقبل لاختلافها السياسي معه.

تعددت الأحوال الشخصية والظلم واحد

غدير الموسوي ليست وحدها الضحية والإبنة المظلومة. بل هي نموذج عن المرأة الشيعية وما تتعرض له من قهر ناجم عن أحكام المحكمة الجعفرية. ولبنان، البلد الذي ينص دستوره على المساواة بين جميع مواطنيه، لا يكتفي بالتمييز بين المرأة والرجل، إنما يميز بين امرأة وأخرى بحسب انتمائها المذهبي، بحكم تنازل الدولة عن صلاحيتها بإدارة أحوال مواطنيها الشخصية لصالح رجال الدين. ففي لبنان 15 قانوناً للأحوال الشخصية، ينص كل منها على حقوق وواجبات مختلفة، لكنها تحرص جميعها على ظلم المرأة. ولا قانون مدني للأحوال الشخصية ينظم أحوال المواطنين الرافضين لأن تكون الطوائف وسيطاً بينهم وبين الدولة. بينما تغيب مصلحة الأطفال والمصلحة العامة تماماً عن بال المشرعين، ومن بينهم الموسوي، حرصاً على مصالح الطوائف وحسابات رجال الدين الذين لهم وحدهم أن يقرروا مصائر رعاياهم بعيداً من منطق الدولة.

ولعل المرأة الشيعية أسوأ نساء لبنان حظاً، وأكثرهن عرضة للظلم. هو ليس رأي، وإنما واقع تثبته أحكام المحكمة الجعفرية التي تتالت خلال السنوات الماضية، فقد صدرت أحكام عدة أثارت الصدمة لفظاعتها. منها أحكام بانتزاع أطفال فور بلوغهم السنتين من العمر من أحضان أمهاتهم بالقوة. كما أصدرت المحكمة ذاتها قراراً بالسماح لأب بأخذ ابنتيه للمبيت لديه، على الرغم من صدور قرار من محكمة الأحداث يقضي بحمايتهما منه، استناداً إلى نتائج تحقيقات أكدت تحرشه بإحداهن. كذلك أصدرت المحكمة قراراً بسجن مواطنة لرفض طفلها الذهاب إلى والده. هي معاناة يومية داخل أروقة المحاكم، ما خفي منها أعظم، في ظل انكار المراجع المعنية وجود مشكلة خطيرة تستدعي حلاً سريعاً، وإن انفجرت صراعات مسلحة بين أبنائها.

ولأن سن حضانة الأم لأطفالها هو الأدنى لدى الطائفة الشيعية، (حتى سن العامين للذكر وسبع سنوات للأنثى)، فباستطاعة الرجل الشيعي ابتزاز زوجته أو طليقته وإخضاعها لإرادته بسهولة أكبر مما يستطيعه غيره. وتطاول مأساة الحضانة جميع اللبنانيات، فإن تزوجن من آخر يسقط حكماً حقهن بالحضانة. والأكيد أن الشيعية تحسد مواطنتها السنية، إذ يحق للأخيرة حضانة أطفالها حتى سن الـ12. والوالدة من طائفة الروم الأرثوذكس أكثر حظاً منهما لأنه يمكنها حضانة طفلها حتى سن الـ 14 وطفلتها حتى سن الـ 15.

ويتفاوت الحد الأدنى لسن الزواج المسموح به بحسب كل طائفة، لكنها كلها تجيز تزويج القاصرات. فالسنة والشيعة يسمحون بتزويج ابنة التسع سنوات. واليهود يسمحون بتزويج الفتاة في سن الـ12. بينما تحدد الطوائف الكاثوليكية سن الزواج للفتيات بـ 14 عاماً، ويحدده الدروز بـ 17 عاماً. وتحدد قوانين الأحوال الشخصية لدى المسلمين مسألة الولاية على الزواج. فالمرأة السنية بحاجة إلى حضور ولي أمرها لعقد زواجها، وإن كانت راشدة. بينما لا تحتاج المرأة الشيعية، إلى ولي أمر لعقد قرانها، لكن أغلب القضاة يشترطون حضوره لعقد الزواج.

وفي حين تصعب الطوائف المسيحية الطلاق على الزوجين، تسمح القوانين للرجل المسلم بطلب الطلاق من طرف واحد متى شاء ومن دون سبب. وحصرت المحكمة الشيعية حق الطلاق بالرجل، ما دفع بالكثير من النساء للتنازل عن كامل حقوقهن وحضانة أطفالهن للتحرر من اضطهاد الزوج، الذي يحق له بألا يوافق على الطلاق انتقاماً، ليبقي المرأة أسيرته. بينما تسمح الطائفة السنية للمرأة بخلع زوجها في حالات معينة، ولا تعتبر التعنيف سبباً مقنعاً للخلع. وكان السيد محمد حسين فضل الله قد حاول مساندة المرأة في بعض الحالات من خلال منحها الطلاق الحاكم، أي من دون وجود الرجل. وتشرع قوانين الأحوال الشخصية للرجل المسلم خيانة زوجته من خلال تعدد الزوجات. أما الوصاية على الأولاد فتنتقل إلى الجد عند وفاة الأب، لدى جميع الطوائف. وفي حال وفاة الجد تنتقل الوصاية إلى الأم الشيعية، أما لدى السنة فتنتقل إلى العم.

وفي حين ترث المرأة المسيحية حصة متساوية لتلك التي يرثها أخيها، ترث المسلمة نصف حصة أخيها. وحتى ضمن الطائفة المسلمة يختلف توزيع الميراث على النساء. ففي حال لم يكن للمرأة السنية أخ، يشاركها بعض أقاربها في ميراث أبيها، على العكس من الشيعية.

الدولة تنأى بنفسها عن أحوال مواطنيها

من جهتها تلفت المحامية منار زعيتر في حديث لـ “نداء الوطن”، إلى أن القضاة المسلمين يتبعون إدارياً لمجلس الوزراء، ويرجعون إلى مجلس النواب لتعديل نصوصهم، بينما بإمكان الطوائف المسيحية تعديل نصوصها بنفسها من دون العودة إلى المجلس. وبالنسبة إلى زعيتر فإن المشكلة الأكبر تكمن في نسف القوانين المتعددة لمبدأ المساواة، وتنتقد حياد الدولة في هذا المجال. “فالمادة 9 من الدستور قد منحت الدولة الحق بإشراك رجال الدين بوضع القوانين، لكن الدولة تعاطت بحياد مطلق. والمطلوب قراءة جديدة للمادة 9 ووضع قانون مدني يعيد للدولة هيبتها، فقانون الأحوال الشخصية هو الذي يبني دولة”. وتلفت المحامية إلى سابقة مهمة يمكن البناء عليها جرت في العام 2018 أثناء محاولة تشريع قانون يمنع تزويج الطفلات. حيث اعتبرت هيئة القضايا في وزارة العدل أن تشريع القانون ليس حقاً حصرياً للطوائف”. وتحذر زعيتر من خطورة عدم اخضاع المحاكم الشرعية لرقابة الدولة. “فمحكمة التمييز لا تنظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية إلا ضمن إطار حدد لها. وهو ما يحرم الناس من حق التقاضي الثالث”. وتصف المحامية زعيتر قضاة الشرع بغير المهيئين لاصدار الأحكام، إذ تدخل في هذه القضايا عوامل نفسية، إجتماعية، وإنسانية وهم يحكمون من دون أن ينظروا إلى الحالات.

وتتجنب زعيتر مقارنة قوانين الأحوال الشخصية للطوائف في ما بينها. “فهناك اختلاف في الجزيئيات بين طائفة وأخرى، قد تكون بعض الأحكام لدى طائفة أفضل منها لدى أخرى، بينما تمتلك أحكاماً أسوأ في مسألة ثانية”. وتلفت المحامية إلى أن تبعات القوانين على النساء غير متساوية، “حتى لدى الطوائف المسيحية تبعات الطلاق غير متساوية”. وتعاني المرأة حتى وإن كسبت بعض الأحكام، وفق زعيتر، لأنها تعاني لتنفيذ الحكم وعليها التقدم بدعوى للتنفيذ، وتواجه معوقات مالية واجتماعية كثيرة تمنعها من الوصول إلى العدالة. وتذكّر زعيتر بواجب الدولة في إعادة النظر بهذه القوانين على ضوء المشاكل على الأرض.

بدورها وثّقت الصحافية ومعدّة الأفلام الوثائقية ديانا مقلد في فيلمها الوثائقي “ضدي” معاناة المرأة اللبنانية، على اختلاف مذاهبها، من ظلم قوانين الأحوال الشخصية. تشير مقلد إلى أن الاجحاف موجود لدى جميع الطوائف، وأن جميع المحاكم الشرعية لا تتعاطى مع قضايا النساء على أن الطرفين متساويان، وتنطلق منظومة الأحكام من منطق أن الرجل قوام على المرأة. وتدعو الصحافية الى قانون أحوال شخصية موحد، “فلا يمكن للمواطنة أن تتحمل آلاف التفاسير”. وعلى الرغم من انتقادها للمحاكم المسيحية تعتبر مقلد أنها باتت أكثر مرونة منذ تطورت الكنيسة في أوروبا، بالمقابل تعتبر أن وضع المرأة الشيعية هو الأسوأ. “فكل المحاكم سيئة لكنها تتفاوت بالسوء. وتشهد المحاكم الجعفرية فوضى تنظيمية انعكست على الأحكام. أحياناً يلجأ القاضي إلى الاختراعات او إلى أحكام مرجعية خارج لبنان”. وهنا تسأل مقلد: “كيف يمكن لشيخ في آخر الدنيا أن يتحكم بحياتي؟ حتى أن القانون في إيران أفضل منه في لبنان”.

تنظر الصحافية باهتمام إلى تجربة الموسوي التي تصفها بالمثيرة. “فالموسوي اختبر بنفسه معنى التحكم بحياته، وطلب من المنظمات المدنية المطَالبة بقانون مدني للأحوال الشخصية. وبات من المستحيل أن يتحمله “حزب الله” بسبب مواقفه المتعلقة بالمرأة، لا مواقفه السياسية. فالنائب علي عمار يصدر مواقف سياسية أسوأ من مواقف الموسوي، ومع ذلك لم يتخذ إجراء بحقه”. وترى مقلد أن “حزب الله” صاحب قرار اساسي في ما يتعلق بالقوانين لكنه لا يبدي اهتماماً بالأمر.

وفي ظل كل هذه الوقائع وضرب قوانين الأحوال الشخصية لمفهوم المواطنة، يبقى السؤال: كيف سيتابع الموسوي الأب إنتفاضته مساندةً لابنته بعدما أصبح خارج المجلس النيابي؟