IMLebanon

“أعاجيب” المحاكم الشرعية: إبطال زواج لحرمان الزوجة من الإرث

كتبت هديل فرفور في جريدة الأخبار:

غبن القرارات التي تصدرها المحاكم الشرعية والمحاباة التي تتضمّنها ليست حكراً على قضايا حرمان الأمهات من حق الحضانة أو «تأبيد» انتظار كثيرات لحقهنّ في الحصول على الطلاق. «أعاجيب» هذه الأحكام وصلت إلى حدّ إبطال القاضي عقد زواج كان هو نفسه قد أثبته لحرمان الزوجة من حصتها في إرث زوجها المتوفّى.

في 3/1/2019، أقدم رئيس محكمة بيروت الشرعية القاضي الأول السيد بشير مرتضى على إبطال عقد زواج كان مرتضى نفسه قد أثبته بموجب قرار صادر عنه قبل أربع سنوات (26/1/2015). بنتيجة قرار الإبطال، حُرمت السيدة فاطمة أمزيان من حقها في الحصول على حصّتها من إرث زوجها.

وفق رواية أهل أمزيان، فإنّ عائلة زوجها المتوفّى (وهم محسوبون على الجهة السياسية نفسها التي يُحسب مرتضى عليها)، وبهدف حرمانها من حصتها في الإرث، تقدّموا لدى محكمة بيروت الشرعية بطلب إبطال عقد الزواج الذي استمر أربع سنوات، بحجّة «عدم الأهلية النفسية والقانونية» للزوج على إبرام العقد، «وبعدما حكم لهم القاضي بالإبطال، تمكنوا في غضون 48 ساعة من الحصول على قرار حصر إرث سحبوا بموجبه نحو 875 ألف دولار من حسابه المصرفي». وبحسب الرواية، لا تزال أمزيان تنتظر، منذ ثلاث سنوات، حكم استئناف القرار أمام رئيس المحاكم الجعفرية الشيخ محمد كنعان.

المفارقة في قرار إبطال الزواج الذي اطّلعت «الأخبار» على مضمونه، تكمن في البند الثاني من نصه الذي قضى بردّ مادة إثبات زواجها «لعدم شرعيتها وعدم صحتها وثبوتها»، فيما يتبيّن من نص الحكم الكامل أن دعوى إثبات الزواج تتضمن مستندات صادرة عن المحكمة الشرعية التي يرأسها مرتضى نفسه!

ويستند نص قرار الإبطال إلى تقارير طبية صادرة عن اختصاصيين عراقيين تعود إلى عام 1979 تفيد بأن الزوج كان يعاني من مرض عقلي تسبب بإقدامه على قتل زوجته وابنه في العراق، حيث كان يشغل منصب سفير لبنان لدى بغداد، فضلاً عن استناده إلى تقارير طبية حديثة تفيد بأن «الفصام الهذياني الاضطهادي يبقى في المريض لمدى الحياة (…)».

مصادر قانونية مُطّلعة على القضية جزمت لـ«الأخبار» أن نص الحكم اجتزأ الرواية الكاملة، ولم يتوسّع في التحقيقات التي تفيد بالأسباب الفعلية التي أدت إلى إقدام الزوج على القتل، مشيرة إلى أن التقارير التي نُظّمت في ذلك الوقت حول حالته العقلية كانت بمثابة «تخريجة» لعدم زجّه في السجن. كما تجاهل نصّ الحكم الإجراءات القانونية التي أقدم عليها الزوج في لبنان لاحقاً لإثبات تمتّعه بالأهليّة القانونيّة والعقليّة (إجراء عمليات بيع وشراء وغيرها)، «والأهم من ذلك كله أن الحكم لم يأخذ في الاعتبار التقارير الصادرة عن المكتب الشرعي في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى التي تفيد بعدم وجوب فسخ عقد القران».

وبمعزل من النقاش القانوني المتعلق بتأويل «الأهلية القانونية» وتأثيرها على بطلان الزواج، فإنّ عدم التوسع بالتحقيقات واستسهال الانحياز الذي يحكم النص بات نهجاً يتكرر في معظم الأحكام التي تصدرها المحكمة الشرعية. ويُعزز فرضية الانحياز ما يؤكده أقارب أمزيان بأن أحد المحامين ممن تربطه صلة قرابة بأحد كبار قضاة المحكمة طلب ثلاثة آلاف دولار للحصول على قرار بوقف تنفيذ قرار حصر الإرث «لأنه يريد توزيع جزء منه على القضاة»! ولفتت المصادر نفسها الى أن مرتضى «منحنا قرار وقف تنفيذ حصر الإرث بعد أربعة أيام من إصداره قرار حصر الإرث، ما مكّن أقارب الزوج من سحب الأموال من حسابه المصرفي، وهو ما يعدّ تناقضاً صارخاً من شخص مطّلع على جوهر القضية. واللافت أننا عندما راجعنا القاضي، طردنا»!

ملاحقة القضاة الشرعيين «من طابق لطابق»!

تُنظّم الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، اليوم، جولة بين طوابق المحكمة الجعفرية في الأونيسكو تحت شعار «من طابق لطابق». الجولة تستهدف بالدرجة الأولى القاضي بشير مرتضى الذي أصدر في آب الماضي قراراً بحرمان أمّ من حقها في رؤية طفليها التوأم وتسليمهما إلى والدهما لتسفيرهما إلى الخارج بسبب مكانة الأب «المرموقة»، كما تهدف الى «ملاحقة بقية القضاة والضغط عليهم لإنصاف حقوق النساء والأمهات»، وفق منسقة الحملة زينة إبراهيم.