IMLebanon

جميل جبق…كرافات صفراء و”غرين كارد” أميركية

كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:

في العاشر من حزيران الماضي، وزّع المكتب الاعلامي لوزير الصحة جميل جبق خبراً مفاده، أنّ الوزير ترأس “اجتماعاً مع وفد من البنك الدولي، من ضمن سلسلة اجتماعات لاستكمال النقاش في الخطوات التحضيرية لإطلاق مشروع القرض الميسّر لمصلحة وزارة الصحة العامة، والذي يهدف إلى تعزيز النظام الصحي في لبنان من خلال الربط بين مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات الحكومية”.

مرّ الخبر مرور الكرام، على عكس موجة الاعتراض التي قادتها الولايات المتحدة ضغطاً على بعض المسؤولين اللبنانيين، رفضاً لتسلّم طبيب يحمل بطاقة “صفراء” من “حزب الله” حقيبة الصحة. آنذاك، استخدِم أسلوب “العصا” والتهديد بوقف كل المساهمات العينية والمالية التي تأتي لحساب وزارة الصحة اللبنانية، ومنبعها الولايات المتحدة، اذا ما جلس على كرسي الصحة وزير تعود مرجعيته إلى الضاحية الجنوبية. ومعلوم أنّ وزارة الصحة تعتمد في تمويلها بعض البرامج على مساعدات خارجية.

ومع ذلك، بدا “حزب الله” أكثر من متمسك بالحقيبة الخدماتية رافضاً تقديم أي تنازل، باستثناء هوية الوزير، التي تبدلت في اللحظات الأخيرة، فرسا خيار الضاحية الجنوبية على “الصديق” الدكتور جميل جبق.

تقول الرواية إنّه مع انطلاق قطار مفاوضات التأليف، وضع “حزب الله” ثابتتين أساسيتين لمعايير تسمياته الوزارية الجديدة: ثلاثة وزراء حزبيين مع فصل النيابة عن الوزارة.

ولمّا فضل حسين الحاج حسن النيابة على الوزارة، كان لا بدّ من تسمية وزير بقاعي يرافق الوزيرين الجنوبيين، محمد فنيش ومحمود قماطي. عملياً لم يختر “حزب الله” حقيبة الصحة. في الواقع هو أصر على حقيبة خدماتية، وتحديداً التربية، لكن توزيعة هذا الصنف من الحقائب الخدماتية دفع رئيس الحكومة سعد الحريري، تحديداً، الى تخصيص “الحزب” بحقيبة الصحة. وحين علت الصرخة الأميركية اعتراضاً على دخول “حزب الله” مبنى وزارة الصحة لترؤسها، قرر “الحزب” التصدي للحملة من خلال الإصرار أكثر على الحقيبة ولو أنّها لم تكن بالأساس مطلبه، فجهّز لائحة اقتراحات بالأسماء الممكنة، وضمت كلاً من عماد شمص وجمال الطقش، وكلاهما طبيبان يعملان في مستشفى “الرسول”.

كذلك، أراد التصدي لحملة رفض تسمية حزبي من خلال الاصرار على الاسمين المقترحين، إلى أنّ تدخل كل من رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري اللذين طلبا من القيادة الحزبية اعادة النظر بهذا المعيار وتسمية “صديق” للحزب لتولي الحقيبة “الحساسة” طالما أنّ الجوهر لن يتغير، وذلك من باب تخفيف الضغط على لبنان كون وزير الصحة على تماس مباشر مع الهيئات الدولية.

هكذا وقع الخيار على جميل جبق: مواليد 1956 من بعلبك، درس في كلية الطب في كرواتيا، وأكمل اختصاصه في الطب الداخلي في مستشفى “المقاصد” والجامعة الأميركية في بيروت. رئيس الجسم الطبي في مستشفى “الساحل”، وعضو في جمعية أمراض القلب الأوروبية.

والأهم من ذلك، لا يحمل بطاقة حزبية وإنما يضع الكرافات، فيما كريماته غير منقّبات، وفي جيبه “غرين كارد” أميركية. أثبت جبق منذ دخوله الوزارة أنه غير معني بأجندة “حزب الله” السياسية، لا بل منحته قيادة الضاحية الجنوبية ضوءاً أخضر “فاقعاً” يسمح له بأن يكون وزيراً غير مقولب في أي قالب، بمعزل عن اعتبارات واصطفافات “مرجعيته” السياسية.

هكذا، فتح “معاليه” أبواب مكتبه، للخصوم قبل الأصدقاء. وقصد مناطق، كان “أولياء أمرها” في حال توتر مع “حزب الله”. وهو على سبيل المثال كان يستعد قبل أحداث قبرشمون، لتلبية دعوة رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط لزيارة الجبل وتناول الغداء برفقة المدير العام وليد عمار، على رغم التوتر القائم بين الضاحية الجنوبية والمختارة.

وبالفعل، فقد نفعت “وصفة” وجود وزير غير حزبي في الحفاظ على وتيرة زيارات الوفود الدولية إلى الوزارة لمتابعة برامج المساعدات والدعم الخارجي. لا بل ذهب هؤلاء الى حدّ الإشادة بـ “الشفافية التي ميزت أداء وزير الصحة العامة وفريقه المكلف بمتابعة المشروع”، كما جاء في بيان وفد البنك الدولي، مؤكداً “المزيد من التعاون المستمر في ظل وضوح الرؤية والموضوعية الشفافة والتي تشكل الضمانة الأبرز لتأمين استمرارية المشاريع”.

وتفيد المعلومات أنّ الوفد أبدى كامل دعمه للوزارة وللوزير الجديد الذي قال صراحة إنه مجرد “صديق” لـ”حزب الله” وإنه يمثّل كل اللبنانيين ولا يميّز بين فريق وآخر… كل ذلك في حضور مدير مكتبه “الحزبي” حسن عمار الذي كان يتولى سابقاً رئاسة الهيئة الصحية الاسلامية التابعة لـ”حزب الله”.

إلا أنّ الأهم من ذلك كله، الدعوة التي وجهت شفهياً للوزير للمشاركة في اجتماعات للبنك الدولي على صلة بالمساعدات المخصصة لوزارة الصحة اللبنانية، وقد أبدى الوزير استعداده للتوجه الى الولايات المتحدة بعدما نال موافقة “حزب الله” كما تؤكد المعلومات. ولكن حتى الآن، لم يتلق الوزير الدعوة الرسمية من الجهات المعنية حيث يبدو أنّ الزيارة باتت في حكم المعلّقة، خصوصاً بعد ادراج نائبين من “حزب الله” على لوائح العقوبات الأميركية، وهي خطوة ستنعكس حكماً على “مشروع” زيارة جبق الى واشنطن.