IMLebanon

لبنان «على أبواب» تسويةٍ تُفْرِج عن حكومةِ «الجلسات المُعَلَّقَة»

… هل ما كُتِبَ قد كُتِبَ؟ سؤالٌ تَصَدَّرَ المشهدَ السياسي في بيروت مع دخولِ المَساعي الراميةِ إلى إيجادِ مَخْرَجٍ لملف «حادثة البساتين» (عاليه) الداميةِ مَخاضَ ما قبل ولادةِ حلٍّ يَسْمَحُ بالإفراجِ عن الحكومةِ واستئناف جلساتِها المُعلَّقة منذ نحو شهر وبـ«استثمار» الوقْع الإيجابي لإقرار موازنة 2019 وعدم تفويت فرصة قطْف ثمار مؤتمر «سيدر» ووضْع البلاد على سكة النهوض المالي – الاقتصادي.
وبدا أمس أن العدَّ العكسي بدأ لطيّ صفحة الأزمة التي انفجرتْ في 30 يونيو الماضي، عبر التسويةِ التي تحْفظ ماء وجه الجميع والتي أخذتْ تسلك طريقها بقوّة «الأمر الواقع»، وينتظر اكتمال مفاعيلِها تَحْضير الأرضيّةِ لـ«هبوطٍ آمِنٍ» مِن على «أعلى الشجرة» للنائب طلال أرسلان بما يجنّبه الظهور منْكسِراً في هذا الملف بوجه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وارتسمتْ في الساعات الماضية مَلامِحُ بدء ترجمة المَخْرج الذي كان اقترحه رئيس الجمهورية ميشال عون ويقضي بإحالة حادثة «البساتين» على المحكمة العسكرية عوض «المجلس العدلي» والذي كانت «الراي» انفردتْ قبل يومين بالإشارة إلى أن أرسلان تبلّغ، وبالنيابة عن «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بضرورة السير به وأنه (أرسلان) أُعطيَ فترةَ سماحٍ لبعض الوقت لإيجاد الإخراج الملائم لتَراجُعِه عن التمسّك بـ «العدلي» حلاً وحيداً لهذا الملف.
وفيما أكدت مصادر بارزة في 8 آذار لـ«الراي» أنه بمعزل عن الأخذ والردّ في بعض النقاط، فإن القرار اتُخذ بتوفير مقتضيات معاودة تفعيل عمل الحكومة لملاقاة التحديات الداخلية والخارجية، برزتْ المؤشراتُ الآتية التي اعتُبرت «تمهيديةً» لوضْع التسوية على السكة بعدما خَرَجَ «حصان الحلّ من الحظيرة»:
* إحالة النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان «حادثة البساتين» على مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الذي أحاله بدوره على مُعاوِن مفوّض الحكومة القاضي كلود غانم، وذلك استناداً إلى التحقيقات التي كانت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أجرتْها مع 4 موقوفين من «الحزب التقدمي الاشتراكي» (يتزعّمه جنبلاط) إضافة إلى المسْح الأمني وما أظهرتْه كاميرات مراقبة كما أشرطة الفيديو حول ملابسات ما حَدَثَ في 30 يونيو حين وَقَعَ اشتباكٌ مسلّحٌ بين مرافقي الوزير صالح الغريب (من حزب أرسلان وسَقَطَ منهم اثنان) ومناصرين لـ«التقدمي» خلال وقفة احتجاجية لهؤلاء على زيارة رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل لبلدة كفرمتى (عاليه).
وكان لافتاً أن قبلان، الذي وَجَدَ أن هناك صلاحية للقضاء العسكري للنظر في هذه القضية، أحال أيضاً على الجهة نفسها الدعوى التي كان تَقَّدم بها «التقدمي» ضدّ الوزير الغريب و«مرافقيه المسلّحين»، وسط تقارير أشارت الى صدور بلاغات بحث وتحرٍّ عن مطلوبين (قيل إن عددهم 2) من «الاشتراكي» وآخَرين من فريق إرسلان الذي يرفض تسليم أي منهم إلا بصفة شهود وبعد إحالة الملف على المجلس العدلي.
* أنه ورغم محاولة قريبين من أرسلان الإيحاء بأن «الحلّ بالعسكرية» لا يعدو كونه خطوةً لا بد من أن تؤدي إلى إحالة الملف في نهاية المطاف على «العدلي»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرتْ أن «العسكرية» باتت أمراً واقعاً وأن الصوت العالي (من أرسلان) هو في سياق محاولة «حفظ المعنويات» تجاه مؤيّديه، لافتة إلى أن التفاوض الذي سيُستكمل في الساعات المقبلة ويتولى جانباً منه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم أصبح محكوماً بالوقائع الجديدة.
وبحسب هذه الأوساط، فإن ما بعد خيار «العسكرية» سيشهد تركيزاً يرجّح ان ينصبّ على الجانب السياسي من الملف، وكيفية عبوره في مجلس الوزراء من دون طرْحه كبند على جدولِ أعمالِ أولى جلسات الحكومة ولا التصويت على الإحالة على «العدلي» كما يصرّ أرسلان، وهو ما يقف الرئيس سعد الحريري حتى النهاية بوجهه وصولاً إلى التلويح برفْع أي جلسة عبر الانسحاب منها بحال جرتْ أي محاولة لوضع هذا «اللغم» على الطاولة.
* أن اعتماد مَخْرج المحكمة العسكرية يوافق عليه جنبلاط الذي أبدى منذ البداية مرونةً عبر تسليم مطلوبين وتأكيد أن حزبه تحت سقف القانون مع شعار «إلا العدلي» الذي اشتمّ منه رائحة تصفية حسابات سياسية من ضمن أجندة سورية رفض الاستسلام لها. علماً أن سير جنبلاط بـ«العسكرية» يشكّل قبولاً بمقتضيات التسوية ولا سيما أن تركيبة هذه المحكمة والقيّمين عليها محسوبون على فريق رئيس الجمهورية الذي كان (عبر باسيل) في صلب «المسرح السياسي» لحادثة البساتين.
* إطلاق النائب آلان عون (من فريق رئيس الجمهورية) موقفاً بالغ الدلالة أعلن فيه «حان الوقت لإيجاد السلّم لإنزال الجميع عن الشجرة. لا يجوز أن تبقى الحكومة والبلد معلّقيْن بانتظار معرفة جنس الملائكة حول المرجعية القضائيّة»، معتبراً أن «المهمّ تكريس مبدأ حصول المحاسبة لأنّه رغم السجال القائم حول طبيعة الحادثة، هناك شيء واحد لا لبس فيه وغير قابل للنقاش وهو أن شابيْن سقطا ويجب محاسبة مَن كان السبب في سقوطهما، أما الباقي فمُلك التحقيقات القضائية لتحديد المسؤوليات والظروف».
وعلى وقع هذه المؤشرات، مضى الحريري في سلسلة لقاءات شملتْ «طرفيْ النزاع»، الوزير وائل ابو فاعور (من التقدمي) والوزير الغريب، وذلك في سياق سعيه لفكّ الارتباط بين ملف حادثة البساتين وبين عمل الحكومة التي نُقل عن رئيسها أنها ستجتمع خلال الأيام القليلة المقبلة.