IMLebanon

الحكومة في مهبّ البساتين

كتب د. عامر مشموشي في “اللواء”:

 

في تقدير أوساط سياسية أن أزمة الجبل باتت أكبر من قدرة العهد على استيعابها بعدما باتت مرتبطة بسياسة إقليمية

ما كادت حكومة «الى العمل» تتنفس الصعداء على وقع اشادة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، وعدد من الدول الأوروبية التي شاركت في مؤتمر «سيدر» وأعربت عن استعدادها للمساهمة في حل مشاكل لبنان الاقتصادية عبر هبات وقروض تقدر بأكثر من أحدى عشر مليار دولار أميركي كدفعة أولى في حال التزم لبنان بعض الإصلاحات البنيوية ومنها التخلص من العجز الفاقع في الكهرباء، حتى توالت فصول تداعيات حادثة قبرشمون- البساتين بين مناصري الحزب الديمقراطي اللبناني بزعامة سيّد خلدة الأمير طلال أرسلان ومناصري الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة سيّد المختارة النائب السابق وليد جنبلاط، لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتهدد بإنفراط عقد حكومة «الى العمل» التي رغب رئيس الجمهورية في ان يُطلق عليها حكومته الأولى وعليها يعلق الآمال في مواكبة عهده وتحقيق الأهداف التي يطمح بها، وفي مقدمتها اجتثاث الفساد من الدولة، وإبعاد الفاسدين والمفسدين إضافة إلى تحقيق الإصلاحات البنيوية لتمكينها من إعادة عجلة الدولة إلى الدوران بالشكل الذي يتوافق مع طموحات العهد، وما وعد به في بيانات وتصاريح عدة.

ومن تجليات هذه التطورات السلبية التحذير الذي اطلقته كتلة نواب تيّار «المستقبل» بعد اجتماعها أمس والذي يفهم منه انه يلمح إلى إمكان اقدام رئيس الحكومة في حال استمرت سياسة تعطيل الحكومة إلى ان توافق مسبقاً على إحالة ملف حادثة قبرشمون- البساتين إلى المجلس العدلي، على قلب الطاولة على الجميع وتقديم استقالته وينسف بذلك كل الآمال التي علقها العهد على حكومة «الى العمل» وأكثر من ذلك يضعها في مهب العاصفة داخلياً وإقليمياً حيث يشهد الإقليم تطورات دراماتيكية نتيجة احتدام التحديات بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وانضمام الاتحاد الأوروبي إلى جانب الاميركان بعدما اخفق في سياسة كبح جماح الحكومة الإيرانية واقناعها بعدم زيادة تخصيب الاورانيوم رداً على الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

هذا التحذير من نواب رئيس الحكومة جاء بعد فشل كل المحاولات والمساعي والجهود الحثيثة التي بذلها خلال الأيام الماضية لتجاوز تداعيات حادثة قبرشمون- البساتين، وبالتالي فشله في إقناع رئيس الجمهورية وخليفته الوزير جبران باسيل بالضغط على حليفهما رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان بالعدول عن شرط إحالة هذا الملف إلى المجلس العدلي وترك القضاء يأخذ مجراه على هذا الصعيد بعد الموافقة من جانبه على تسليم الأشخاص المتهمين بالمشاركة في هذا الحادث كما فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، غير أن رئيس الحزب الديمقراطي رفض كل هذه المساعي وتمسك بإحالة الحادثة إلى المجلس العدلي واعتبر أن احالتها إلى القضاء العسكري يجب ان يكون الممر الملزم لاحالتها إلى المجلس العدلي في أوّل جلسة يعقدها مجلس الوزراء، الأمر الذي أدى حكماً إلى تأجيل الدعوة التي وعد رئيس الحكومة بتوجيهها إلى مجلس الوزراء لاستئناف اجتماعاته الأسبوعية لمتابعة الملفات العالقة وفي مقدمها ملف «سيدر» الذي يعلق عليه الآمال في إخراج لبنان من ازمته الاقتصادية والاجتماعية والمالية الخانقة ووضعه مجدداً على الخريطة الدولية، بدلاً من أن تذهب كل الجهود التي بذلتها حكومته ولا سيما منها وضع موازنة لقيت ترحيباً من المجتمع الدولي وتأكيد بوفاء الدول التي شاركت في مؤتمر «سيدر» بالتزاماتها المالية تجاه لبنان لكي يتجاوز الأزمات التي يتخبّط بها واخطرها الأزمة الاقتصادية التي بلغت حدود وضع لبنان على حافة الإفلاس.

والسؤال المطروح الآن هل يضحي العهد بالمناخ الدولي الإيجابي الذي شاع بعد ان صدق المجلس النيابي على الموازنة، ويمارس الضغوط الكافية لحمل رئيس الحزب الديمقراطي على القبول بالاجراءات القضائية التي تمت حتى الآن ويقدم أولاً على خطوة تسليم المطلوبين من جماعته إلى القضاء ويفرج ثانياً عن مجلس الوزراء لكي يستأنف جلساته كالمعتاد ولدرس وإقرار الملفات التي تستجيب لمطالب الدول التي شاركت في مؤتمر «سيدر» لكي تفي بالتزاماتها، أم ان الأزمة تتعدّى قدرة العهد على استيعابها، لأنها مرتبطة بسياسة اقليمية هدفها محاصرة النائب السابق وليد جنبلاط والتضييق عليه بسبب مواقفه التصعيدية المعروفة من النظام السوري، وأن حادثة قبرشمون- البساتين واستفزازات الوزير باسيل في الجبل وإثارته النعرات الطائفية ليست سوى استمرار للأحداث التي افتعلت في الشويفات وفي شملان وصولاً إلى «العراضات» المسلحة لمحازبي الوزير السابق وئام وهّاب في الشوف الأعلى وصولاً إلى دار المختارة.

الأوساط السياسية التي تراقب مجريات تداعيات حادثة قبرشمون- البساتين لا تستبعد مثل هذا الاحتمال، بقدر ما ترجحه انطلاقاً من التنازلات التي قدمها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حرصاً منه على وحدة الجبل وضمان استمرار المصالحة التاريخية من جهة، ومن جهة ثانية حرصه على تجنّب الوصول إلى أزمة سياسية كبرى لا يستبعد ان تتحوّل إلى أزمة حكم في حال اقدم الرئيس الحريري على قلب الطاولة على الجميع، كما ألمحت إليه مؤخراً كتلته النيابية.