IMLebanon

“الطاقة” تشدّ “حبال” القوانين… وتلعب عليها!

كتبت إيفون صعيبي في صحيفة “نداء الوطن”:

قصة مخالفات وزارة الطاقة للمراسيم وغيرها من النصوص القانونية قصة متشعبة، بدأت منذ ما بعد الحرب ولا تزال، ولربما هنا يكمن السبب الذي يجعلها تعمل وتستمر. فهي لا تقتصر فقط على تغيير الموافقات التي كانت تعطيها الحكومة ولا حتى تعديلها فحسب، بل تشمل ايضاً الاعتماد على نصوص قانونية ملتبسة لتتمكن من التملص منها لاحقاً…

حاز قانون الكهرباء المعجل رقم 129 الصادر بتاريخ 30 نيسان 2019 لاعادة تنظيم قطاع الكهرباء، ووضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والانتاج والتشغيل، ومن ثمّ التسليم الى الدولة بعد فترة زمنية، اهتماماً مركزاً في الآونة الاخيرة تُرجم بالشروع الى الطعن فيه لعدم دستوريته. وقد أبطل المجلس الدستوري الإستثناء الغامض المخالف لمبدأ “الظروف الاستثنائية” والوارد في الفقرة “ب” من المادة الثانية والتي غيبت دور ادارة المناقصات وقانون المحاسبة العمومية وقانون الشراكة مع القطاع الخاص، والذي كان يمكن لوزارة الطاقة أن تستخدمه في إجراء مناقصات خارج إدارة المناقصات ولا سيما في المشاريع التي تقوم على شراء الطاقة والمعرفة بعقود الـ PPA.

أعطى القانون المطعون فيه مجلس الوزراء الحق في منح عقود BOT، وفي هذا مخالفة واضحة للنصوص الدستورية 16 و17 و65 لجهة عدم مراعاة اختصاص كل من السلطتين التشريعية والاجرائية، كما هي محددة في تلك المواد والتي لا تجيز نقل اي تلزيم الى السلطة التنفيذية. ومن جهة ثانية، يؤمّن القانون المطعون فيه لوزارة الطاقة صلاحية تحديد الشروط الادارية والتنفيذية والمالية، واعداد دفتر الشروط، ليكون بذلك قد غفل عن دور هيئة ادارة المناقصات. لكن الطعن استند على مخالفة المادة 89 من الدستور والتي تنص على انه لا يجوز منح أي التزام او امتياز لاستغلال موارد ثروة البلاد الطبيعية او مصالحه ذات المنفعة العامة او اي احتكار الا بموجب قانون وزمن محددين. “كثيرة هي الاسئلة التي تُطرح، من وجهة نظر قانونية اكثر منها سياسية: فلماذا يغفل القانون المطعون فيه دور الشراكة بين القطاعين علماً ان هذا الاخير يتطرق الى مشاريع الطاقة والكهرباء؟ وهل تم اقرار قانون الشراكة فقط من زاوية القاء الطعم الى الدول المانحة في “سيدر”؟ لكن السؤال الاهم يتمحور حول حقيقة ان يحدث القانون الجديد المصنوع “على قياس” الخطة المقترحة “صدمة إيجابية لقطاع الكهرباء عموماً وللاقتصاد الوطني خصوصاً من خلال تسهيل المشاريع اللازمة والتي تحتاج الدولة لتنفيذها بوتيرة أسرع ومن دون أن تلجأ الى القروض”، يقول عضو المكتب السياسي الكتائبي ومنسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا.

يشكل القانون بحدّ ذاته كتلة ثغرات قانونية، ورغم إبطال المجلس الدستوري الفقرة الاخيرة، الا ان المشكلة الاساسية تبقى في الفقرة الاولى، وتحديداً في ما يتعلق بعقود الـ BOT التي لا ترتكزعلى القانون رقم 48 الذي طال انتظاره والرامي الى تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، علما ان الـ PPP يبرز كحلٍ، ربما الوحيد لإعادة إحياء مؤسسات الدولة وتفعيل إنتاجيتها نظراً الى الشلل الذي يصيب غالبيتها، في ظل التقاعس عن المكافحة الفعلية للفساد وفي الوقت عينه الاحتيال على القوانين والمراسيم التطبيقية.

آخر مخالفات الطاقة

في 11 تموز 2019 أعلنت وزارة الطاقة عن دعوة تصنيف تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 8/4/2019 (الموافقة على ورقة سياسة قطاع الكهرباء – 2010 الميوّمة)، والمتعلق بقبول طلبات التصنيف للشركات الراغبة في اختصاص: تطوير مشاريع لإنشاء معامل تقليدية لإنتاج الطاقة الكهربائية وفق صيغة IPP.

وتكمن مخالفات الوزارة بحسب مرجع قانونيّ في ما يلي: اولاً ارتكازها في التصنيف على المرسوم 3866(العام 1966) الذي أُلغي بحسب المرسوم 9333/2002 والذي سلب من الوزارات صلاحية التصنيف وحصرها برئاسة مجلس الوزراء (في حين انه يجب ان يكون من ضمن مهام ادارة المناقصات). في هذه المخالفة تشترك الطاقة مع كلّ الوزارات الاخرى. ثانياً ان صفقات الـ BOT التي تطرّق لها القانون 129 والذي نقحه المجلس الدستوري، ينص على ان الصفقات العالمية لا تخضع للتصنيف، بل انها تخضع لعملية تأهيل مسبقة تجريها الجهة المناط بها قانوناً ادارة المناقصة. اما المخالفة الثالثة فهي بالمرسوم 14901 سنة 1970 الذي استثنى من احكام المرسوم 3866 المناقصات والصفقات التي تتعلق بمحطات تحويل الطاقة وخطوط التوتر العالي التي تزيد عن 60 kva .

الشراكة بين القطاعين

لا بدّ من الإنطلاق من فرضيتين اثنتين تقودان الى حتمية اعتماد مقاربة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنجاز مشاريع متخصصة في قطاع الكهرباء: الفرضية الأولى هي أن لقطاع الأعمال القدرة على تأمين الموارد المالية التي توازي بضخامتها حجم الحاجة الى مشاريع مكلفة، فيما المالية العامة لم تعد قادرة على تسريع وتيرة مُراكمة الدين العام لتمويل مثل هذه الإستثمارات من خلال التوسع في الإقتراض. أما الفرضية الثانية فتقول إن مؤسسات الأعمال تختزن خبرات تقنية وإدارية تتناسب ومتطلبات تلك الإستثمارات، فيما دور القطاع العام يجب أن يقتصر على التخطيط والرقابة والمُساءلة وذلك صوناً للصالح العام.

تتطلب المشاريع التي تعتمد على الشراكة لإنجازها كمّاً اكبر من الدراسات، منها دراسات الجدوى المتطورة التي توازن ما بين الخيارات التقنية والتكنولوجية المتاحة في إطار المشروع، والمفاضلة بين كلفة ومردود كل من هذه الخيارات على المدى الطويل. كما تتطلب هذه المشاريع دراسات مالية تُقيِّم المفاضلة بين مكاسب إنجاز المشاريع العامة عن طريق الشراكة وبين المكاسب المتأتية عن إنجاز مثل هذه المشاريع بالمقاربات التقليدية. وإضافةً، لا بد لمؤسسات الأعمال المشاركة في تنفيذ المشاريع العامة أن تُعد دراسات مالية متطوّرة تُظهر”المردود” على إستثماراتها بحسب سيناريوات تعاقدية مختلفة لناحية ربحية المشروع وارتباط هذه الربحية بأمد الإمتياز الممنوح لها لجني المردود، بخاصة وان الشريك الخاص يستثمر أموالاً ويستردها لاحقاً من الدولة مع أرباحه الخاصة. هذا في حال اللجوء الى مبدأ الشراكة لادخال المنافسة ومنع الاحتكار، أما من الناحية التقنية فلا بد من التوقف عند ما ورد على لسان عدد من المسؤولين الاجانب حول الخلافات على النقاط التقنية؛ فهل يكون المقصود المحاصصات وتقاسم الخيرات؟

يلزم القانون 48 ان “تخضع إجراءات اختيار الشريك الخاص لمبادئ الشفافية وحرية الاشتراك للمرشحين المتنافسين والمساواة في معاملتهم، ويجب أن تسبقها العلنية الكافية لتوفير تعدد العروض المتنافسة على الفوز بالعقد. وهذا ما لم يحصل في أي من الصفقات. من جهة اخرى ينص القانون انه في حال لم يتمّ تقديم ثلاثة عروض على الأقل، يعاد طرح المشروع المشترك مجدّداً. وفي حال لم يسفر ذلك عن ثلاثة عروض، يمكن عندها الاكتفاء بعرضين بعد موافقة المجلس”.

في لبنان، تتّخذ القوانين في روحيتها اشكالاً مشبوهة باعتبارها وسيلة مشروعة لشفط الأموال العامة المتأتية من المشاريع الكبرى لا سيما الكهرباء والسدود ومشاريع تضمين الاتصالات وصولاً الى القطاع الأخطر على المنظومة الاقتصادية اللبنانية وهو نظام تقاسم الأرباح الذي ستؤدي اليه مراسيم النفط المتعارضة مع قانون النفط وتالياً مع المادة 89 من الدستور.