IMLebanon

الرهان على “عدم صمود” جنبلاط لم يكن في محله

كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الاوسط”:

قال أحد الوزراء ممن واكبوا الاتصالات التي توّجت بلقاء المصالحة والمصارحة الذي رعاه رئيس الجمهورية ميشال عون الأسبوع الماضي، بأن مجموعة من المعطيات السياسية والاقتصادية دفعت في اتجاه إسقاط الذرائع التي كانت تحول دون انعقاد اللقاء، وأكد أن المشاركين فيه أعادوا الاعتبار لاقتراح رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي ينطلق من تحقيق المصالحة بصفتها ممراً إلزامياً لوقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء.

وأكد هذا الوزير لـ«الشرق الأوسط»، أن ارتفاع منسوب التأزّم الاقتصادي بات يقترب من تجاوز الخطوط الحمر، ويُنذر بإقحام البلد بانهيار اقتصادي ما لم تبادر الحكومة إلى تداركه بسرعة. ورأى أن الاجتماع الاقتصادي والمالي الذي ترأسه رئيس الجمهورية وجاء بالتزامن مع إنجاز المصالحة لم يكن وليد الصدفة، وإنما عكس الواقع الاقتصادي الذي لم يعد يحتمل التأزيم السياسي.

ولفت الوزير نفسه إلى أن الفريق الذي كان يخطط لتطويق ومحاصرة رئيس الحزب «التقدّمي الاشتراكي» وليد جنبلاط من خلال إصراره على إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي بادر إلى مراجعة حساباته، واضطر إلى سحب «العقوبات» التي كان يهدده بها جنبلاط في مقابل موافقة الأخير على أن يرعى عون لقاء المصالحة بعدما كان يطالب بأن يرعاه بري.

وأكد أن عون قرر أخيراً أن يتبنّى اقتراح بري رغم أنه كان أول من اعترض عليه، وقال إن قيادة «حزب الله» قررت التعامل بمرونة ليس مع اقتراح رئيس المجلس الذي أيّدته على بياض، وإنما لوقف مطالبتها بإحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، وهذا ما عبّر عنه الأمين العام للحزب حسن نصر الله بقوله في آخر إطلالة متلفزة له بأنه لا بد من بحث هذه القضية في مجلس الوزراء، من دون أن يأتي على ذكر الإحالة.

كما أن الحديث عن وجود مخطط لاغتيال رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل سرعان ما اختفى من التداول، مع أن رئيس الجمهورية كان أول من طرحه في العلن، وأن الكشف عن هذا المخطط أدى حكماً إلى إحداث تشويش لدى الفريق المناوئ لجنبلاط وتحديداً النائب طلال أرسلان الذي اتهم «التقدّمي» بأنه كان ينصب كميناً لاغتيال الوزير صالح الغريب.

في هذا السياق، قال الوزير نفسه كما يُنقل عنه، إن الفريق الداعم لجنبلاط بقي صامداً، وإن رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري قالا كلمتهما بصراحة بأن لا مجال لإحالة الحادثة إلى المجلس العدلي، وأن لا جلسة للحكومة في حال أصر البعض على ذلك. ورأى أن صمودهما إضافة إلى الموقف الداعم لكل من حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، شكّل رافعة في مقابل وجود أصوات داخل «تكتل لبنان القوي» برئاسة باسيل لا تحبّذ ما يشاع عن وجود مخطط تارة لاغتيال الغريب وتارة أخرى لاغتيال باسيل.

وتوقف الوزير أمام نفي النائب (من تكتل «لبنان القوي») شامل روكز وجود كمين أو مخطط لاغتيال أحد الوزراء، وكشف عن أن أصدقاء لرئيس الجمهورية ومعظمهم من النواب كانوا أول من نصح بوجوب السيطرة على تداعيات حادثة الجبل والعمل على استيعابها. وسأل الوزير: ماذا ربح أرسلان من المعركة السياسية التي خاضها ضد جنبلاط؟ وقال، لقد جنى حتى الآن ظهوره في الصورة الجامعة للمصالحة في بعبدا مع وعد بأن يُحسب له حساب في التعيينات الإدارية، رغم أن هناك من يتوقع ترحيلها. وأضاف أن حلفاء أرسلان، وتحديداً «التيار الوطني» والفريق الوزاري المحسوب على رئيس الجمهورية، تمكنوا من تثبيته على أنه الندّ لجنبلاط مع اختلاف في ميزان القوى الذي يميل بنسبة عالية لمصلحة الأخير.

ورأى هذا الوزير أن أرسلان سحب من التداول، وفور مشاركته في مصالحة بعبدا، الشروط التي كان وضعها لحضور الوزير الغريب جلسات مجلس الوزراء، وأبرزها إحالة الحادث إلى المجلس العدلي والتصويت عليها في مجلس الوزراء والإعداد لاغتيال الغريب. كما فوجئ أرسلان بمبادرة رئيس الجمهورية إلى الإعلان عن وجود مخطط لاغتيال باسيل، بعد أن وجّه اتهامه إلى الحزب «التقدمي» بالتخطيط لاغتيال الغريب. لذلك؛ فإن حلفاء أرسلان تسببوا له بالإحراج في ظل وجود روايتين حول الإعداد لاغتيال الغريب قبل أن تُسحب ويتم التركيز على استهداف باسيل.

وعليه، فإن عوامل عدة كانت وراء «الانقلاب» في المشهد السياسي فور انعقاد لقاء المصالحة، رغم أن وزير الدفاع إلياس بوصعب الذي شارك في لقاء عون بالوزير الغريب قبل التئام مجلس الوزراء، حاول تهيئة الأجواء إفساحاً في المجال أمام الغريب ليكون له كلمة مختصرة بعد الكلمة التي افتتح بها رئيس الجمهورية الجلسة.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن بوصعب سعى إلى جس نبض الوزير أكرم شهيب لعله يحصل على موافقته، لكنه عارض مسعاه بقوة، مؤكداً له بأن الاتفاق الذي أُبرم لتأمين انعقاد الجلسة حصر الكلام بالرئيس. كما أن الحريري بادر إلى التدخّل؛ ما أدى إلى تفويت الفرصة على الغريب ليكون له كلمة بعد عون.

وبالنسبة إلى العوامل والاعتبارات التي كانت وراء تعويم مبادرة بري، علمت «الشرق الأوسط» نقلاً عن مصادر وزارية بارزة، أن هذه العوامل دفعت مناوئي جنبلاط إلى سحب كل اعتراضاتهم بعد صمود بري والحريري وعدم تراجعهما عن موقفهما.

وكشفت المصادر الوزارية، عن أن خصوم جنبلاط أخطأوا في تقدير مدى قدرته على الصمود، وكانوا يراهنون على رضوخه للضغوط التي تستهدفه. وقالت إنهم انطلقوا من تراجع جنبلاط عن إصراره على حصر التمثيل الدرزي في الحكومة بـ«التقدمي» وموافقته على تمثيل أرسلان بالوزير الغريب، وكذلك مبادرته إلى إيداع ملف حادثة الشويفات في عهدة رئيس الجمهورية الذي لم يتمكن من تطويق ذيولها بسبب رفض أرسلان تسليم المتهم بقتل علاء أبو فرج، أي أمين السوقي المتواري عن الأنظار في سوريا.

ولفتت إلى أن خصوم جنبلاط كانوا يراهنون على أن «حزب الله» ماضٍ في معركته إلى جانب أرسلان، لكنهم فوجئوا بأن الحزب الذي لا يخفي انزعاجه من بعض مواقف جنبلاط لن يذهب إلى ما لا نهاية في محاصرته، وقالت إن التطورات الأمنية والسياسية في المنطقة تحضّ الحزب على توفير الحماية لشبكة الأمان التي تحميه وعدم تعريضها إلى خروق من شأنها أن تؤدي إلى تعطيل الحكومة.

وبكلام آخر، فإن خصوم جنبلاط لم يقدّروا تأييد «حزب الله» وعلى بياض لمبادرة بري؛ لأن السير بها – بحسب المصادر الوزارية – يقطع الطريق على إقحام الصراع الداخلي في لعبة التدويل مع صدور البيان الأميركي، وفيه تشديد على عدم تسييس حادثة الجبل وإخضاعها لمراجعة قضائية عادلة وشفافة.

ورأت المصادر نفسها، أن باسيل لم يكن مرتاحاً للقاء المصالحة. وقالت إن تبرير غيابه بارتباطه بمواعيد سابقة، لا يُصرف في مكان لأنه ليس بعيداً عن التحضيرات التي جرت لإنجاز المصالحة، واعتبرت أن التغريدة التي صدرت عنه بتأييده المصالحة ربما كانت ضرورية من باب رفع العتب. وأكدت أن أرسلان تردّد في الموافقة على المصالحة؛ لأنها خلت من الشروط التي كان وضعها، لكنه استجاب لطلب «حزب الله» الذي ألحّ عليه بالحضور.

وعليه، فإن المصالحة أعادت وصل ما انقطع بين عون وأبرز المكوّنات المشاركة في الحكومة، ويمكن أن تسهم في تعويم الحوار الذي لم يعد قائماً؛ لأن هناك ضرورة للتواصل، فمن غير الجائز استمرار القطيعة بين قوى رئيسة وبين رئيس الجمهورية الذي بات في حاجة إلى إحداث صدمة إيجابية تتيح له أن يكون الحَكَم والجامع بين اللبنانيين بصرف النظر عن الوضع الراهن لباسيل الذي هو على خلاف مع قوى رئيسة، ما عدا «حزب الله» الذي تجمعه به «ورقة تفاهم» وحركة «أمل»، وإن كان تواصله مع قيادتها يقتصر على البحث في كل ملف على حدة.

فهل يستفيد الجميع من المصالحة للمضي في توفير كل ما يلزم لتحقيق الانفراج السياسي ولتدارك تصاعد الأزمة الاقتصادية، أم أن المتضرر منها سيضطر إلى التصرف على أنه خسر جولة، ولا بد من أن يستعد للتعويض عن خسارته، خصوصاً أن المصالحة أُرسيت على حسابات الربح والخسارة بعيداً عن تبادل المجاملات، وبالتالي حشر جنبلاط لم يكن في محله فيما أخطأ باسيل في حساباته.