IMLebanon

المرأة في لبنان: متى تُنصَف؟ (راجي كيروز)

لبنان بلد الأزمات بامتياز. لا يمر يوم إلا وتخلق أزمة جديدة، في حين تُنسى أزمة أخرى، إذ إن الجدول مزدحم ولا مكان للأزمات كافة دائمًا. لكن، للأسف، قضايا المرأة من الأزمات القليلة الموجودة بشكل مستمر، بسبب تعدد أشكال التعرّض لها.

أخيرًا، عادت قضايا المرأة إلى الواجهة. بدأت القصة مع ابنة النائب المستقيل نواف الموسوي، وما رافقها من نقاش كبير حول وضع المرأة المطلقة، الشيعية خاصةً، وتصرّف الموسوي الذي استعمل فائض القوة الذي يملكه للثأر من أجل ابنته.

بعدها بفترة انتقلنا إلى وفاة السيدة رنا البعينو، التي من المرجّح أن تكون قُتلت على يد زوجها، فيكون ذلك استكمالًا لمسلسل طويل ومتعب من ضحايا العنف الأسري. أما حكم هيئة محكمة الجنايات في بعبدا الصادر بحق مغتصب قاصر فلم يكن أقل وقعًا، إذ إن الحكم المشين أتى ممن يجب أن يحميها، لا أن يجهز عليها.

ثم انتشر فيديو لعنصر قوى الأمن يضرب سيدة في علما تعترض على إنشاء مطمر تربل، فتبيّن بعدها أنها شقيقته، ما دفع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى أن تصدر بيانًا فُهِم منه تبرير لواقعة الاعتداء، بشكل غير مباشر، عبر الإشارة إلى أن الضحية شقيقة عنصر الأمن، ثم اكتفت بالقول إن التحقيق جارٍ في إشراف القضاء المختص. هذا بدوره استكمال لمظاهر تعاطي الدولة، بأجهزتها القضائية والأمنية، مع المرأة باستسهال مستفز.

وليس آخر المظاهر تلك، التسجيل الصوتي المنتشر الذي يوثّق تعرّض سيدة عضو في بلدية صربا الجنوبية للإهانات والضرب على يد رئيس البلدية، حيث إن لا تحرّك قضائيًا في هذا الصدد حتى الآن، ليكتمل بذلك المشهد الأشد بؤسًا: الدولة بكل مؤسساتها ضد المرأة. هنا لا نعمم بالطبع، ولا داعي لتأكيد ذلك، لكن يجب التنبّه إلى أن نهجًا أصبح مكرّسًا بحق المرأة، يمارسه المجتمع والدولة سويًا.

على مدى طويل، عرفنا لبنان بلدًا عادلًا بحق المرأة، خصوصًا بالمقارنة مع البلدان العربية المجاورة. وقد أعطانا ذلك انطباعًا بأن المرأة اللبنانية في وضع سليم، وبعض الممارسات “الشاذة” بحقها لا يفسد هذه الصورة. هذا التعميم الخاطئ سبب أساسي في عدم تحسّن وضع المرأة اللبنانية مع مرور السنين. فوهم المعرفة أسوأ من الجهل، واقتناعنا بأن المرأة في موقع جيد نسبيًا يعمينا عن الحقيقة التي تؤكد العكس تمامًا، ما يخلق، إلى جانب ذلك، استسهالًا في التعامل مع قضايا المرأة… ولا شيء أسوأ من اللامبالاة.

من ناحية أخرى، مقياس أي شيء ليس الأسوأ منه، بل الأفضل منه. إذا كان وضع المرأة العربية عامةً سيئ إلى درجة كبيرة، فهذا لا يعفينا من ضرورة العمل على تحسين وضع المرأة اللبنانية، مع تمني الأفضل لكل امرأة في العالم. فموت امرأة في لبنان ليس مقبولًا لأن عشر نساء تمتم في بلد آخر. وتعرّض امرأتين في لبنان للعنف المنزلي ليس مقبولًا لأن عشرين امرأة يتعرضن للضرب في بلد آخر. هي ليست منافسة في طبيعة الحال، والهدف هو الحد نهائيًا من ظاهرة التعرّض للنساء، وليس تسجيل أرقام منخفضة نسبةً لبلدان أخرى. وهنا بصدق نسأل: كيف يمكن مواجهة ابن قُتلت أمه أو أب قُتلت ابنته بحجج كهذه؟ هل نقول له “معليش انقضت بأمك (أو ببنتك)، في بلدان تانية عم تموت فيها العشرات”؟

قضية المرأة ضرورية وأساسية ومصيرية، وحتى أهم من أي قضية أخرى. الحديث عنها كثيرًا لا يجعلها من “الكليشيهات”، بل يدفعنا إلى البحث عن سبب كونها قضية يُحكى عنها كثيرًا فيما هي آخذة بالانحدار. هل المشكلة في المقاربة؟ في وهم المعرفة؟ في اللامبالاة؟… الأسئلة عديدة، لكن الهدف دائمًا معروف: حق المرأة بالحياة الكاملة والكريمة.