IMLebanon

أي هدفٍ أمني «اصطادتْه» المُسَيَّرتان في ضاحية «حزب الله»؟

 

توحي التطوراتُ اللاهبةُ في الأيام القليلة الماضية وكأن المنطقةَ ومعها لبنان أمام «وليمةِ نارٍ» يصعب التكهّن بحجمها ومَداها بعدما سدّدتْ إسرائيل ضربةً موجعة لـ«حزب الله» وإيران في سورية (عقربا) قبل أن تكْسرَ «قواعد الاشتباك» مع الحزب في لبنان بطائرتين مُسَيَّرتَيْن دهمتا عقر داره في الضاحية الجنوبية لبيروت فجر الأحد، ثم تُلاقي «معادلة الردع» التي رَسَمها أمينه العام السيد حسن نصر الله، وقبل أن «يجفّ حِبْرُها»، بشنّ غاراتٍ فجر الاثنين على موقع للجبهة الشعبية – القيادة العامة (يتزّعمها أحمد جبريل) في البقاع اللبناني على تخوم الحدود مع سورية.
وبات جلياً أن المنطقة صارت في قلب مرحلة جديدة من «التطاحن» على عتبة «الانفجار الكبير» المؤجَّل، في ظلّ إنفلاش المواجهة كـ«بقعة الزيت» ومحاولة ضمّ لبنان إلى سورية والعراق كساحاتٍ خلْفية للمُنازَلة المتعاظمة بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي رَفَع مستوى «ربْط الأحزمة» في بيروت تحسّباً لخطواتٍ غير محسوبة قد تُفْضي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة.
وتتقاطع تقديراتُ الخبراء الذين يتابعون مجريات اللعب على حافة الهاوية في المنطقة عند الجزم بأنه لا يمكن الفصل بين ما جرى في سورية قبيل منتصف ليل السبت – الأحد وما حدَث فجر أول من أمس في الضاحية الجنوبية. وقد عبّر نصر الله بوضوح عن هذا الربط في اطلالته عصر الأحد إذ وَصَفَ الحدَثين بأنهما تطور «خطير جداً جداً جداً»، رَسَمَ حياله معادلةً مزدوجة عنوانها بمواجهة «المُسيَّرات» في سماء لبنان: سنُسْقِطُها، وبمواجهة «النقلة النوعية» التي شكّلها الاستهداف «القاتِل» لعناصره في سورية: سنردّ عبر لبنان وليقف الجيش الإسرائيلي على الحائط على «إجر ونص» ولينتظِرنا.
وكشفت معلومات خاصة لـ«الراي» عن أن الهجوم الإسرائيلي في عقربا جرى عبر صواريخ يزِن الواحد منها نحو طن من المتفجرات وهي استهدفت مزرعة تحوّلت مركزاً للقوات الحليفة لسورية، أي للقوات الإيرانية ومقاتلي «حزب الله»، وهو الهدف الذي يحوي مركزاً للطائرات المُسَيَّرة ويقع على بعد ما بين 10 إلى 15 كيلومتراً عن مطار دمشق.
وأشارت المعلومات إلى أن المنطقة المُسْتَهْدَفة تحوي مراكز عدة أصيب أحدها، ما أدى لمصرع مقاتليْن من «حزب الله» وجرح اثنين، أما الخسائر الإيرانية فغير معروفة تماماً رغم تقارير تحدثت عن سقوط قتلى.
ولم يكن ما حصل في ضاحية بيروت الجنوبية أقلّ وطأةً، رغم الغموض الذي يحوط بـ«العملية» التي يصعب الكشف عن تفاصيلها، خصوصاً في ظلّ توقف دوائر خبيرة عند ضعف الرواية عن أن الهدف كان مبنى وحدة العلاقات الإعلامية لـ«حزب الله»، «فالأمر لا يستوي من الناحية العسكرية بعدما تأكد أن لا وجود لأي شخصية ذات وزن في المبنى المذكور».
وفي ضوء فحْص الجوانب اللوجستية للحادثة، ذكرت هذه الدوائر أن الطائرتين المُسَيَّرتين اللتين استُخدمتا هما من الصناعة الإسرائيلية القديرة، خصوصاً في مجال الطائرات من دون طيار، وأن الطائرة الأولى كانت استكشافية وتصويرية على عكس الثانية المسلّحة والانتحارية والتي يُرجّح أن تكون وجّهت ضربة لهدف أمني على جانبٍ من الأهمية.
وكان لافتاً ما أورده موقع «لبنان 24»، نقلاً عن مصادر مطلعة من أن هدفَ العملية الإسرائيلية في الضاحية «كان إصابة هدف مهم للحزب، ويستحق المخاطرة بعملية عسكرية مباشرة قد تؤدي إلى ردّ قاس من (حزب الله)»، مشيرة إلى «أن الاحتمالات التي يتم تداولها في البعض الأوساط هي وجود مخزن لأسلحة نوعية، وقد لا يكون المقصود بذلك صواريخ بل أمور تقنية تكنولوجية».
ومن هنا، فإن أوساطاً سياسية مطّلعة ترى عبر «الراي» أن نصرالله سعى في إعلانه عن ملاقاة المرحلة الجديدة بما تقتضيه، وبما يشبه «إعلان الحرب» في السماء وعلى الحدود، إلى «ربْط نزاع» استباقي بإزاء المنحى الذي سلكتْه إسرائيل في العراق ضدّ مخازن الصواريخ وذلك على قاعدة توجيه رسالة حازمة بأن «حزب الله» ليس «الحشد الشعبي» وأنه لن يسلّم بمسارٍ من الاستهداف المتدحْرج له ولو عبر ضربات موْضعية من ضمن حلقات المعركة الكبرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبين إيران وأذرعها.
و«لم تتراجع» إسرائيل أمام تحذيرات نصرالله، بل عاجلتْ «الخط الأحمر» الذي حدّده بضربة لأحد الفصائل الفلسطنية الحليفة لإيران والنظام السوري وهي «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» التي استهدفتْها بـ3 غارات (ليل الأحد – الاثنين بطائرات من دون طيار «إم كا») عند سلسلة جبال لبنان الشرقية المقابلة لجرود بلدة قوسايا، غرب زحلة من دون تسجيل إصابات بشرية، قبل أن تتَعمّد تل أبيب التي امتنعت عن تسيير دوريات قرب الحدود مع لبنان، رفْع مستوى «تحدّيها الجوي» لمعادلة «حزب الله» الجديدة بالإكثار من طلعات «المُسيَّرات» في سماء البقاع والجنوب.
وعلى وقع هذه التطورات الصاخبة، بدا لبنان الرسمي وكأنه مُرْبك حيال المنزلق المباغت الذي جاء من خارج أجندة الطوارئ المالية – الاقتصادية التي كان منكبّاً عليها، رغم الالتقاء الجامع على اعتبار ما حصل في الضاحية الجنوبية «عدواناً إسرائيلياً وخرقاً للقرار 1701».
وبعدما كان رئيس الحكومة سعد الحريري أكد لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو (اتصل بالحريري الأحد) «بذل كل الجهود من الجانب اللبناني لضبط النفس والعمل على تخفيف حدة التوتر»، رفع الرئيس ميشال عون سقف الموقف الرسمي لأعلى مستوى بإبلاغه الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش أن لبنان «الذي تقدّم بشكوى الى مجلس الأمن رداً على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية يحتفظ بحقه في الدفاع عن نفسه لأن ما حصل هو بمثابة اعلان حرب يتيح لنا اللجوء الى حقنا بالدفاع عن سيادتنا واستقلالنا وسلامة أراضينا».
وأكد «ان الاعتداء على الضاحية وكذلك على منطقة قوسايا، يخالفان الفقرة الاولى من القرار 1701، وما يسري على لبنان في مندرجات هذا القرار الدولي يجب ان ينطبق على إسرائيل أيضاً».
وأضاف عون لكوبيتش في موقف اعتُبر بمثابة تغطية لمعادلة نصرالله الجديدة: «سبق أن كررتُ أمامكم ان لبنان لن يطلق أي طلقة واحدة من الحدود ما لم يكن ذلك في معرض الدفاع عن النفس، وما حصل (أول من) أمس يتيح لنا ممارسة هذا الحقّ»، معرباً عن خشيته «من أن تؤدي اعتداءات إسرائيل الى تدهور في الأوضاع خصوصاً اذا تكررت ووضعت لبنان في موقع الدفاع عن سيادته إذ لا نقبل ان يهدّدنا احد بأي طريقة».
وبعدما تشاور عون مع الحريري، تقرر دعوة المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع طارىء في قصر بيت الدين بعد ظهر اليوم للبحث في تداعيات الاعتداءين الاسرائيليين.
وقال الحريري إن «إسرائيل ارتكبت انتهاكاً واضحاً لسيادة لبنان بهجوم الطائرات المسيرة»، وطالب المجتمع الدولي «برفض هذا الانتهاك الصارخ».
لكنه أضاف إن الحكومة اللبنانية «تريد تجنب انزلاق الوضع إلى تصعيد خطير».