IMLebanon

الجيش عيْنُه على إسرائيل وقلْبُه على الاضطراب الاجتماعي في الداخل

كتب وسام أبو حرفوش في “الراي”:

 

جتاز لبنان الآن مرحلةً ربما تكون الأكثر مأسوية منذ أن صمتتْ المدافع المجنونة إبان استخدام أهله حطَباً في حروب الآخرين.
فالبلادُ، التي لم تتعلّم الدرسَ تماماً من الماضي الحاضر دائماً، لم تنجُ بعد من اختباراتٍ قاسية، على غرار اهتزاز الجبل أخيراً بفعل حادثةٍ دامية في البساتين – عاليه استحضرتْ كوابيسَ الزمن المشؤوم.

وها هي البلاد المقيمة فوق فوالق الشرق الأوسط تُقتاد من جديد إلى «بوز المدفع» في لعبةِ المحاور، وكأنها على قاب قوسين من حربٍ لم تخْترها، بعدما ترنّحتْ قواعدُ الاشتباك بين إسرائيل و«حزب الله».

ويصعب في البلاد التي «أصيبت بالعيْن» يوم كانت «دُرة الشرقين» كتْم أنينها من شدّة الوجع المالي – الاقتصادي غير المسبوق، بعدما لامس صداعه الخطوط الحمر وصار يهدد بتصدّعاتٍ اجتماعية وأمنية.

ثمة تحوّل مفاجئ و«غير مفهوم» في المشهد اللبناني الذي كاد أن يستردّ بعض ألَقه قبل أن تنقلب الأوضاع رأساً على عقب… فقبل فترة وجيزة كان مسؤولٌ أمني رفيع يفاخر أمامنا بأن لبنان الآمن لا يشبه مَداره الإقليمي الأقرب لأن يكون «طنجرة ضغط» يُخشى انفجارها على وهج نار الصراع الكبير في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة، ويجزم مُطَمْئناً بأن البلاد تنعم باستقرارٍ أمني يضاهي ما هو قائم في أكثر الدول استرخاءً في العالم رغم زنار النار الذي يحوطها في الإقليم المشتعل.

ما الذي حصل منذ أشهر معدودات؟ ما سرّ هذا التقهقر الذي أصاب حال لبنان؟ وماذا عن المستقبل الذي يصعب معرفة خيْطه الأبيض من الأسود؟
بمزيجٍ من الرصانة والمرارة وفائض الوطنية يوحي المسؤول الأمني عيْنه، القابع فوق «علبة أسرار»، بأنه لا بد من أن «تفتّش عن السياسة» وكأن في فمه ماء، فليس من عادة أهل الأمن البوح بمواقف من النوع الذي يُسَجَّلُ في دفاتر تصفية الحسابات في البلاد، لكن «الصراعَ السياسي في ظواهره السلبية صار أشدّ إيلاماً في نتائجه وتداعياته وبات يشكل خطراً يقوّض الاقتصادَ ويُرْهِقُ الأمنَ ويهدّد بسقوط البلاد في حلقةِ استنزافٍ مقفلة».

في إحاطته لحال الصعود وحال الهبوط، يعرض المسؤول الأمني الرفيع في «دردشةٍ» مع «الراي» لإنجازات باهرة تحققت بعيد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومةٍ عقب فراغٍ في سدة الرئاسة استمر عامين ونصف العام «يومها كانت البلاد موبوءةً بالإرهاب، في الداخل تفجيراتٌ هنا وهناك، ومجموعاتٌ ناشطة وخلايا نائمة، وعلى الحدود الشمالية والشرقية جماعاتٌ إرهابية من (داعش) و (النصرة) وما شابه».

… «بجهد وتعب وسهر تمكّن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، وبوتيرة سريعة وحِرَفية عالية، من مجابهة التحدي الذي عجزتْ عنه دولٌ أخرى»، قال المسؤول الأمني، الذي ساهم من موقعه الحسّاس في تسطير إنجاز لا يستهان به «لقد نجحنا في القضاء على الإرهاب في الداخل عبر حرب استباقية تُوّجت بمعركة فجر الجرود على الحدود الشرقية، التي انتهت بطرد الجماعات الإرهابية».

لم يكن عادياً «كَنْسُ» الإرهاب من الداخل ومن على الحدود، فهذا الإنجاز «جَعَلَ الأمنَ ممسوكاً مئة في المئة، ما أشاع أجواء ملائمة لاستعادة لبنان حيويته السياسية ومكانته كوطنٍ آمِنٍ للاستثمارات وللنشاط السياحي والتجاري، إضافة إلى أن ما تَحَقَّقَ استحقّ إعجاب وتنويه الدول الشقيقة والصديقة للبنان».
نقطةُ التحولِ التي أسّست لـ«الدوران نحو الخلْف» كانت الانتخاباتُ النيابية التي بَدَلَ أن تكون استحقاقاً ديموقراطياً يليق بلبنان، شكّلت مستودعَ توتراتٍ سياسية فاضتْ بالشتائم، في خروجٍ غير مألوف عن لغة التخاطب في الصراع السياسي، ثم جاء تشكيل الحكومة الذي استغرق نحو تسعة أشهر ليزيد الطين بلة. فهذه الموجات المتوالية من الاهتزاز السياسي، في رأي المسؤول الأمني الرفيع «عَرْقَلَتْ المضي قدماً في النهوض بالبلاد وجعلت المشكلات المتوارَثة أكثر تعقيداً، فتَعَمَّقَ المأزقُ الاقتصادي – المالي وتَضاعفتْ الضغوط على الأمن في ظل المناخات المتشنّجة وبعض مظاهر الاضطراب الاجتماعي، ما فرض أعباء إضافية ومرهقة على الجيش والقوات الأمنية».

لم يكن عابراً ما حَدَثَ في البساتين – عاليه كواحدٍ من فصول الصراع السياسي البالغ الكلفة، فـ«الجبل الذي بُذلت جهود كبيرة لتضميد جراحه كاد أن يهتزّ من جديد. ولكن من حسن حظه استجابة الجميع لصوت العقل في لحظةٍ ما والذهاب إلى المصالحة برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تجنباً لما هو أدهى، فأسوأ ما يمكن أن يواجهه أهل الأمن هو التوتر الأهلي».
مهماتٌ أكثر وإمكاناتٌ أقلّ… في ظلال هذه المعادلة القاسية يعمل الجيش من دون تَبَرُّمٍ، لكن المسؤولَ الأمني يخشى من «طغيان مهمات، لم تكن في الحسبان، على الدور الأساسي للجيش، الذي أصبح مضطراً لفتح طريق هنا بسبب احتجاجات على زيادة معدلات تقنين الكهرباء أو مطاردة أخبار نُبِشَتْ عن شاحنة سُرقت قبل مدة ورُميت في الإعلام في إطار الصراع السياسي حول مسألة التهريب على الحدود مع سورية، إضافة إلى عشرات القضايا المشابهة التي علينا متابعتها في وقت تَقَرَّرَ منع التطويع في الجيش على سبيل المثال».

وإذا كان «التوازن السلبي» بين المحتجّين على التقنين الذين قَطَعوا الطريق شمالاً (من أهل الساحل) وبين المحتجّين على قطْع الطريق لأن هذا يحول دون تصريف إنتاجهم الزراعي (من أهل السهل) ساهَمَ في معاودة فتْحها، فإن ضبطَ التهريب على الحدود مع سورية أمرٌ قائم ويحظى بتشدُّد وعناية رغم أنه يمكن معالجته بطرق إدارية أكثر فاعلية وتعود بالفائدة على خزينة الدولة.

لا يمكن معالجة الأمن بمقاربةٍ محض أمنية، هذا ما يمكن أن نستنتجه من كلام المسؤول الأمني، الذي غالباً ما يتحدث بلسان المواطن وبلهفة الأب. فأكثر ما يخشاه في المرحلة المقبلة هو «مُضاعَفَةُ العبء الأمني الذي سينجم عن الاتجاه إلى اتخاذ إجراءاتٍ غير شعبية وموجعة لمواجهة الأزمة الاقتصادية – المالية المتعاظمة، لأن من شأن هذا الأمر مُفاقَمَة حال الاضطراب الاجتماعي وزيادة الظواهر السلبية التي تتفشى في ظروفٍ مماثلة في أي مجتمع من المجتمعات».
لا ندري لماذا تأخّرتْ «مكاشفةٌ نادرة» من هذا النوع مع مسؤول أمني، لا يشبه الصورة النمطية لـ«عسكريتاريا دول العالمثالثي»، في التطرّق إلى قضية الساعة في لبنان، أي فائضِ القلق الذي يخيّم على البلاد بعد العدوان الإسرائيلي بـ«الدرونز» على معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية في بيروت، وتَوَعُّد أمينه العام السيد حسن نصرالله بالردّ على هذه العملية وعلى مقتل اثنين من كوادره في ضربةٍ إسرائيلية استهدفت جنوب دمشق.

ربما لأنه لم يَحِنْ وقتُ الكلام عن مسألةٍ أمنية بالغة الحساسية، أو لأن الجيش هو الحلقة الأضعف في هذه المواجهة ذات الطابع الإقليمي، أو لأن قرار الحرب والسلم هو بيد إسرائيل و «حزب الله»، أو لأن مسائل من هذا النوع تخصّ السلطة السياسية… ربما لهذه الأسباب كلها معاً، لكن ماذا في جعبة المسؤول الأمني الكبير من مقارباتٍ لما هو عليه الوضع الآن؟

«عندما ترتبط المسألة بالعدو الإسرائيلي يصبح سلاحُ الوحدة الوطنية هو الأمضى، وتالياً ما قيل عبر الموقف الرسمي، الذي عبّرت عنه السلطة السياسية باختلاف مواقعها، هو ما يجب أن يقال في مواجهة العدوان الإسرائيلي ضدّ السيادة اللبنانية، وأي كلام آخَر في ظلّ العدوان لا مكان له».

وبعدما تَسَلَّمَ الجيشُ اللبناني، الذي يقف على أهبة الاستعداد بمواجهة أي عدوان محتمَل على لبنان، «الدرونز» الإسرائيلية (واحدة كاملة وأخرى أجزاء) من «حزب الله»، رأى المسؤول الأمني «أن التحقيقَ بما جرى يحتاج وقتاً لمعرفة كيف حصلتْ العملية، من أين انطلقتْ الدرونز، من البحر أم من البرّ أم اقتيدتْ جواً… الاحتمالاتُ لن تُحسم إلا في ضوء التحقيق الذي يستغرق وقتاً وخصوصاً أن العدو يملك صناعةً متقدّمة في مجال التكنولوجيا والطائرات المُسَيَّرة».