IMLebanon

الاجتماع الإقتصادي: سلّة جديدة من الوعود

كان القصر الجمهوري بالأمس محط انظار اللبنانيين، ترقباً لما سيصدر عن اجتماع السياسيين من اجراءات اقتصادية وصفت بالموجعة، أُريد لها من هذا الاجتماع ان تحظى بمظلة سياسية. والتقى كل اللبنانيين على سؤال وحيد عشيّة هذا الاجتماع: اي علاج سيوجده طبيب مختص بالامراض السياسية، للمرض الاقتصادي المستعصي؟ علماً انّ الخلاصة الاساسية للاجتماع كانت اعلان حالة طوارىء اقتصادية، وهو الطرح الذي سبق ورفعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، واكد عليه في احتفال النبطية السبت الماضي بذكرى تغييب الامام موسى الصدر.

إفتتح لقاء بعبدا بكلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومن ثم تحدث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فعرضَ للوضع المالي واشتكى من ضغط على السيولة، كاشفاً عن ارتفاع بالدولرة وتراجع السلفات خلال 12 شهراً.
كما تحدث عن القطاع العقاري الذي يعاني جموداً، وقال: مصرف لبنان يقدم قروضاً للاسكان بالليرة وبالدولار للقطاعات المنتجة. واكد على اهمية الاستقرار بسعر صرف الليرة لأنّ الاقتصاد اللبناني مدولَر، وتحدث عن المفاعيل السلبية لعدم الاستقرار في البلد، واشار الى اجراءات طويلة وقصيرة الامد يجب ان تتخذ ليعبر الاقتصاد الى انتاجية أكبر، كما لفت سلامة الى التراجع في الاقبال على اليوروبوند.

وتحدث وزير المال علي حسن خليل شارحاً الواقع المالي، وكشف انه في موازنة الـ 2019 تم عصر النفقات ولا إمكانية لخفض المزيد منها في موازنة الـ 2020، كما كشف انّ موازنة الـ 2020 تتضمن 36 في المئة رواتب واجور، 35,2 في المئة خدمة الدين العام، 10 في المئة كهرباء، 88 في المئة نفقات استثمارية، 11,2 في المئة نفقات جارية. وقال: الدولة ستتشدد اكثر لمواجهة الهدر والفساد والانفاق غير المجدي. ودعا الى ضرورة اعادة النظر بالنظام التقاعدي، علماً أنّ تحسّن الكهرباء سيزيد الوفر. كما دعا الى اعادة النظر بالمؤسسات العامة غير المنتجة، وقال: هناك 94 مؤسسة 74 منها مؤسسة عامة و20 مرفقاً عاماً تُدار بلجان مؤقتة، وهناك اقتراح لتخفيضها الى 10 بشكل فوري.

وقال رئيس جمعية المصارف سليم صفير: المصارف لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الرسوم، ووضعها صعب. ولولا مساعدة مصرف لبنان لكان الوضع أصعب.

ورأى رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية انّ الحل سياسي اكثر منه اقتصادي، وعلى السياسيين أن يتفقوا بعيداً عن الخلافات السياسية. ودعا الى حوار مع المصارف للبحث في موضوع الدين، بحيث يتم الاتفاق على طريقة لتسديد الديون، كما دعا الى ضرورة الاستفادة من املاك الدولة وبيعها او تأجيرها او استثمارها، وان تستورد الدولة النفط مباشرة وتوزّعه لتخفيف الاعباء وزيادة الارباح.

ودعا رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الى تغيير الطاقم السياسي وتغيير الحكومة، وقال: لا ثقة بين الدولة والناس، واصبح من الضروري ان نرحل ونرتاح شوي. واستعار عبارات من كلام باسيل حول الصدمة، معتبراً انّ الصدمة الايجابية هي الاتيان بحكومة لا سياسيين فيها، تنصرف الى معالجة الاوضاع الاقتصادية. وقال: يجب صرف 5300 موظف وإقفال المعابر غير الشرعية.

ودعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط الى اعتماد خطة شفافة للكهرباء والغاء الاستثمار بالغاز، وأشاد بما اعتبره نظرية اشتراكية وهو الضريبة التصاعدية. وقال: «للمرة الاولى اسمع انّ الدولة تَبنّت نظرية اشتراكية»، كما دعا الى اقفال الصناديق واعادة النظر بالاملاك البحرية، واعتبر انّ وقف التطويع بالجيش خطأ لأنه يحتاج الى دم جديد، وعودة الخدمة العسكرية الالزامية وضبط التهريب ووضع ضريبة على الثروات الكبيرة. وطلب توسيع مرفأ بيروت وتعزيز مرفأ طرابلس، والاستفادة من محطات المصافي في الجنوب والشمال.

وقال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل: أشياء كثيرة سمعناها على الطاولة سبق وقيلت ودائماً تتكرر، اننا نقترح تشكيل حكومة حيادية تعطي غطاء سياسياً لتنفيذ الاصلاحات. وتحدثَ عن صدمة إيجابية في ضبط المعاير، وتنظيف الادارة من الوظائف الوهمية، وحل مشكلة الكهرباء.

ودعا النائب اسعد حردان الى درس وضع شركات الخلوي واملاك الدولة، واعتبر انّ الورقة المقدمة تحتاج الى توافق سياسي.

واشار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى انّ الورقة فيها 49 اقتراحاً، أضيفت اليها اقتراحات ميقاتي وفرنجية. نريد ان نكون ايجابيين ونضع يدنا بيد بعضنا البعض لتطبيق الاقتراحات، لكننا نتحفظ على كل ما يطال رواتب الموظفين وذوي الدخل المحدود والحسومات التقاعدية والضرائب على الفئات الشعبية، لدينا مقترحات سنقدمها عندما نناقش الموازنة في مجلس الوزراء.

واعتبر النائب طلال ارسلان انّ الثقة مُختلّة بين الناس والدولة، ورسمَ علامات استفهام على اداء بعض القضاة، ودعا الى دعم القطاعات الانتاجية.

وقال الرئيس بري: الهدف من اجتماعنا قرار سياسي يعكس وفاقا سياسيا يغطي القرارات التي سنتخذها، مُشددا اكثر من مرة على الوفاق السياسي. ورَدّ على طرح الحكومة الحيادية فاعتبرها لا تقدم ولا تؤخر. وقال: هذه الورقة (التي أعدها الخبراء الاقتصاديون) لم تأت من عدم، بل نوقشت في معظم بنودها في اجتماع 9 آب الجاري، ولا بد من اعلان مواقف وقرارات في اجتماعنا اليوم تشكّل قفزة الى الامام، وعلينا تقديم الموازنة في مُهلها الدستورية وتطبيق القوانين التي لم تنفذ بعد. كما دعا بري الى ضرورة اجراء مناقصة عمومية عالمية لشراء المحروقات وتأمين الغاز في الزهراني ودير عمار بدل شراء الديزل، وضرورة العمل على التنقيب في الحقلين 4 و9 وفق الجدول الزمني المحدد لأنّ مثل هذا الامر يعزز الثقة باستقرار لبنان. كما شدد على تخفيض حجم الدين العام من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق قانون الـ PPP ضمن مناقصات.

ثم تحدث الحريري مطوّلاً، وقال: علينا ان نبدأ العمل بالاصلاحات ولكن ضمن اجواء صفر مشاكل سياسي، شارحاً لأبرز الخطوط العريضة للافكار المطروحة: البنزين، الكهرباء، الـ TVA. وقال: المؤسسات المالية الدولية تصدر قراراتها وتوصيفاتها بعيدا عن السياسة، واعتبر انّ الورقة المقدمة هي مُرتكز للبحث، وشدد على استقرار سعر صرف الليرة وتطوير المرافئ وخصخصة العمل فيها. وتطرق الى مشروع اليسار ولينور، وطلب اجراء جردة بكل العقارات المملوكة من الدولة، علماً انّ اسعار العقارات تقدّر بالملايين. كما دعا الى ضرورة وضع رسوم على الدخان.
وتدخل رئيس الجمهورية داعياً الى ضرورة لجم الازمة لخطورتها، وقال: الاجتماع رسالة بهذا الاتجاه ولا يجوز ان نطال الفئات الشعبية. لدينا الكثير من الملاحظات واخذنا وقتا طويلا، واعتبر ان كل ما قلناه اليوم على هذه الطاولة هو نقد ذاتي وليس للآخر.
وتقرر في الختام تشكيل لجنة متابعة للاجتماع برئاسة الحريري، من اجل وضع القرارات موضع التنفيذ، وتحفظ الجميّل عن مضمون الورقة.

امّا الخلاصات التي انتهى اليها المجتمعون، فكان معظمها من ضمن الورقة الاقتصادية التي اعدّها الخبراء وطرحها رئيس الجمهورية، فأكدت على الحفاظ على سعر صرف الليرة، الالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019 وعدم ترتيب اي اعباء اضافية في موازنة 2020، تقليص حجم الدين العام من خلال اعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضمن مناقضات شفافة، خفض عجز الكهرباء واجراء مناقصة عالمية لشراء محروقات لمؤسسة كهرباء لبنان وتأمين الغاز محل الفيول، وغير ذلك، حيث لم تلحظ زيادة على سعر صفيحة البنزين، بحيث انّ ما تقرر في هذا الشأن لا يؤدي الى زيادة الرسوم على البنزين، بل يحمي المستهلك عندما يتجاوز سعر الصفيحة 30 الف ليرة، وتستفيد الدولة عندما ينخفض سعر الصفيحة عن 25 الف ليرة.
على انّ السؤال، هو ما الذي يضمن ان تكون مقررات الامس مختلفة عن مقررات سابقة بقيت حبراً على ورق؟ وما الذي يضمن الّا تبقى الاجراءات الاصلاحية الموعودة مجرد وعود وعناوين تتكرر بين وقت وآخر؟ وما الذي يضمن الا يتم الاكتفاء باجراءات ضرائبية جديدة هدفها تمويل العجز من جيوب المواطنين الفقراء ومحدودي الدخل؟

مقررات اجتماع بعبدا تلاها رئيس الحكومة سعد الحريري، ولم تتم الاشارة فيها الى أي ضرائب جديدة، مع أنّ الحريري ألمح الى انّ الضرائب قد تأتي لاحقاً، عندما قال رداً على سؤال: «لقد فرضوا ضرائب في اليونان عندما تدهور الوضع الاقتصادي، لذلك اذا اتخذنا اجراءات فلكي ننقذ البلد».