IMLebanon

هل تُشكّل جبهة لمواجهة العهد بقيادة “القوات” و”الكتائب”؟

كتبت راكيل عتيِّق في صحيفة “الجمهورية”:

على رغم أنّ كلّاً من حزبي «القوات اللبنانية» والكتائب يجلس على ضفة من ضفتي النظام السياسي، إذ تشارك «القوات» في الحكومة، فيما تتصدّر «الكتائب» المعارضة في مجلس النواب، إلّا أنّ ما يجمع الحليفين السابقين أكثر بكثير ممّا يجمع «القوات» وبقية أفرقاء الحكومة. يتشارَك الحزبان تاريخاً حزبياً ووطنياً ومقاوماً طويلاً، كذلك يتشاركان المبادئ الوطنية والرؤية السياسية الإستراتيجية نفسها. لكنّ التسوية الرئاسية في 2016 فرّقت الحليفين التاريخيين، وحتى الانتخابات النيابية في 2018 لم تجمعهما إلّا في مناطق معدودة ولاعتبارات محددة. وفيما شاركت «القوات» في الحكومة لتناضل من «الداخل»، إختارت الكتائب النضال في صفوف المعارضة، لكنّ التلاقي المبدئي والفكري ما زال مستمراً بين الحزبين المسيحيين، وبرز أخيراً في رؤيتهما لإدارة الدولة والخروج من الأزمة الراهنة. فهل يؤدّي هذا التماهي إلى إنشاء جبهة يُطلقها الحزبان لمواجهة المرحلة؟

يتماهى حزبا «القوات» والكتائب في موقفيهما لناحية عدم الثقة بقدرة حكومة «إلى العمل» على تحقيق الإنقاذ الإقتصادي، وبالدعوة إلى تغيير الحكومة الحالية وتأليف حكومة اختصاصيين تدير هذه المرحلة، وتنفّذ الإصلاحات اللازمة. حتى هذه الإصلاحات والإجراءات يتّفق عليها الطرفان، منها: ضبط المعابر غير الشرعية، توفير الأموال المهدورة على الدولة، إلغاء التوظيف الوهمي… ورفض إقرار أي ضرائب جديدة.

لكنّ التوافق في وجهات النظر يشوبه عائق أساسي يحول دون التلاقي، بالنسبة إلى الكتائب، وهو أنّ «القوات» شريكة في التسوية الرئاسية وجزء من الحكومة، ولا يُمكنها اعتبار هذه الحكومة وهذا الطاقم السياسي سيئين وأن تبقى في الوقت نفسه في الحكومة، كذلك ما زالت داعمة للتسوية الرئاسية التي رفضتها الكتائب. وتذكّر مصادر الكتائب أنها كانت ضدّ هذه التسوية حين أُجريت منذ 3 سنوات من منطلق أساسي، وهو أنّها عُقدت على أساس توزيع المناصب بين أطرافها في مقابل التخلي عن السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية والسيادة لـ«حزب الله». وبالنسبة إلى الكتائب، هذه التسوية التي شاركت فيها «القوات» أوصلتنا إلى الوضع الراهن المُزري، ولن تتمكّن تسوية إقتصادية على شاكلة التسوية السياسية من إنقاذ البلد.

وقبل الحديث عن أيّ إصلاحات اقتصادية تتوافق عليها «القوات» والكتائب، يعتبر الكتائبيون أنّ «القوات» تشارك في حكومة وضمن سلطة لا تملك القرار السيادي والسياسي، ومن لا يملك هذا القرار لا يُمكنه امتلاك القرار الإقتصادي. وترى الكتائب أن لا مجال لأيّ إنقاذ اقتصاديّ إلا بوجود نيّة سياسيّة جدّية للمضيّ بالإصلاحات المنشودة وتحمّل الحكومة مسؤوليّاتها في الملفات كافة، وباستعادة الدولة قرارها السياديّ وعدم تعريض لبنان لحروب تزعزع استقراره الأمنيّ، وبالتالي الاقتصاديّ والماليّ. وقبل توفّر هذه الشروط لا قيمة لأيّ إصلاحات أو قرارات إقتصادية.

وهذا ما تفرّد رئيس الكتائب سامي الجميّل بالتشديد عليه خلال الإجتماع الإقتصادي – الوطني الذي عُقد في 2 أيلول في القصر الجمهوري في بعبدا. وأكد أنّ السيادة الشرط الأساسي للدولة وللحكومة لاستعادة صلاحياتها، ومن دونها فإنّ التفاصيل الباقية كلّها غير قابلة للتطبيق. فبالنسبة إلى الكتائب: «ماذا ينفع إذا أخذت الحكومة مثلاً قراراً بدعم السياحة وهناك من يملك قرار الحرب؟ وكيف تستفيد الدولة من استخراج النفط والغاز لسد العجز في الموازنة وفي المقابل يُعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أنّ الخطوط الحُمر سقطت. وها هي الحكومة تجهد لتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» ولتأمين الدعم من المجتمع الدولي، فيما هناك طرف في لبنان يعتمد سياسات تجلب عقوبات على المصارف».

وتعتبر الكتائب أنّ «المشكلة في لبنان بنيوية وليست تقنية، واستعادة قرار السلم والحرب وقرار تحديد السياسة الخارجية، هي المدخل الأساس للخروج من أزماتنا، كي تستطيع الدولة بناء سياسة إقتصادية». أمّا طرح بعض الأطراف الذي يقضي بتحييد الإقتصاد عن السياسة، فتعتبر الكتائب أنّه جُرّب أقلّه منذ 3 سنوات إلى الآن، فإلامَ أدّى؟ إلى العقوبات على المصارف وتعريض البلد لتداعيات خطيرة كثيرة. وترى أنّ هذا دليل على أنه لا يُمكن بناء إقتصاد بلا سياسة ودفاع.

وفق هذه المنطلقات، تعتبر الكتائب أنّ «القوات» تشارك في تسوية وفي حكومة تغطّي «حزب الله» وفقدان الدولة قرارها السيادي، وبالتالي هناك سياستان مختلفتان بين الحزبين، ولا يُمكن التنسيق مع «القوات» طالما أنها تشارك في الحكومة. أمّا إذا اتخذت «القوات» قرار الاستقالة من الحكومة، فحينها سيصدر موقف من الجميّل يهنئها فيه على قرارها، ويُمكن أن تُفتح خطوط الاتصال بين الطرفين تحت سقف التنسيق لمواجهة المرحلة، لأنّ «القوات» تكون قد انتقلت من الحكومة إلى المعارضة. فلا مشكلة شخصية لدى «الكتائب» أو الجميّل مع أيّ طرف، بل إنّه يُنسّق مع أطراف عدة معارضة في مجلس النواب.

إذاً، عودة الحلف القواتي – الكتائبي التاريخي غير واردة طالما أنّ «القوات» جزء من التسوية الرئاسية والحكومة. في المقابل، وعلى رغم دعوتها الى تغيير الحكومة وتأليف حكومة اختصاصيين لإدارة هذه المرحلة، إلّا أنّ «القوات» لن تستقيل من الحكومة، ولا تعتبر مشاركتها فيها تغطية لأيّ طرف أو سياسة، وعمل وزرائها ومواقفها ومعارضتها لقرارات عدة هو أكبر دليل على ذلك. فبالنسبة إلى «القوات» هذه الحكومة، وعلى غرار معظم الحكومات منذ التسعينات، هي حكومة وفاق وطني، والنظام السياسي في لبنان غير قائم على معارضة وموالاة، أي أنّ من يوالي يُشارك في الحكومة ومن يعارض يكتفي بالمشاركة في البرلمان، ولقد تألّفت حكومة «الى العمل» على أساس الأحجام التي أفرزتها الإنتخابات النيابية في 2018 وعلى قاعدة الوفاق الوطني حيث لا يمكن الحديث عن موالاة ومعارضة.

وفي حين يؤيّد كثيرون «القوات» بقرارها البقاء في الحكومة لتكون «المراقب الداخلي» و«العين الساهرة» على أداء السلطة، ولتحدث التغيير المطلوب من خلال أداء وزرائها، يرى البعض أنّ خروجها من الحكومة وتشكيل جبهة مسيحية – وطنية معارضة سيخلع الغطاء المسيحي عن العهد، وبالتالي عن سلاح «حزب الله».