IMLebanon

ما لم يقله دوكان!

كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:

شكّلت زيارة المبعوث الفرنسي المكلّف متابعة مؤتمر «سيدر» بيار دوكان الشغل الشاغل للمسؤولين اللبنانيين على مختلف مستوياتهم. وأهمية الزيارة انّ لبنان يمرّ في مرحلة اقتصادية خطيرة، ولا شك في انه يحتاج إلى عناية قصوى من رعاة «سيدر» للنهوض، اذا أخذ المسؤولون في الاعتبار إرشادات دوكان الذي قال ما قاله اعلامياً، ورصدنا ما لم يقله الّا في المجالس الخاصة مع رجال أعمال ومدراء شركات فرنسية في لبنان والمسؤولين الاقتصاديين والصناعيين والتجار.

لفهم مهمة دوكان يجب أن نوضح أنّ «سيدر» ليس صندوق أموال حاضرة، انما عبارة عن منظّم لمشاريع ستُنفّذ في لبنان، وكل مشروع تقتنع به لجنة «سيدر» تحيله إلى الدول المشاركة فيه حتى تؤمّن تمويله. ورصيد المال الذي يقدّر بـ11 مليار دولار ليس متوافراً في صندوق انما عبر وعود قابلة للتنفيذ.

يتولّى دوكان مهمة القائم بأعمال المؤتمر، وقد حضر باسم كل الدول المشاركة وليس فرنسا فقط، وبالتالي تقريره يُوزّع على كل حكومات الدول المشاركة في «سيدر» وليس الاليزيه فقط.

من هنا، لا بدّ من الإضاءة على انطباعات المسؤولين اللبنانيين بعد لقائهم دوكان من خلال النقاط الآتية:

أولاً، لا يزال مؤتمر «سيدر» قائماً، لكن ترجمته عملياً هي يد اللبنانيين أكثر مما هي في يد الدول المشاركة فيه، وهذا يعني ضرورة تنفيذ الإصلاحات اولاً.

ثانياً، أبلغ دوكان المسؤولين اللبنانيين انّ مؤتمر «سيدر» لم يطلب منذ البداية حتى اليوم من الدولة اللبنانية فرض ضرائب ورسوم على الشعب اللبناني، انما طالب بإجراء إصلاحات في بنية الاقتصاد اللبناني.

ثالثاً، يعتبر دوكان أنّ مؤتمر «سيدر» ليس صندوقاً يقدّم قروضاً وهبات، بل هو صندوق استثماري يشارك بتمويل جزئي لمشاريع ذات فائدة تُقدّم من القطاعين العام والخاص في لبنان، أي مشروع شراكة بين القطاعين، وليس ضرورة ان يكون القطاع الخاص لبنانياً فقط.

رابعاً، يتخذ مؤتمر «سيدر» الموقف اللازم بحسب كل مشروع، بمعنى آخر، لن يوافق «سيدر» على تمويل مشاريع تقدّمها الدولة اللبنانية «عالعمياني» انما سيدرس مدى ضرورة كل مشروع وانسجامه مع مشروع الإصلاح الاقتصادي والمالي والانمائي في لبنان ومدى تأثيره على تخفيض العجز ورفع قيمة الإنتاج الوطني.

عموماً، تلك هي النقاط الأساسية التي تطرّق اليها دوكان مع المسؤولين اللبنانيين، وفيما كان يلاحظ في كل مهماته السابقة انّ المسؤولين اللبنانيين لا يقدّرون خطورة الوضع الاقتصادي اللبناني على نحو كافٍ، اكتشف هذه المرة انّ ثمة تغييراً في الموقف اللبناني، حيث انّ المسؤولين الذين كانوا يقلّلون من أهمية المشكلات ويخففون من خطورتها، سمع منهم هذه المرة كلاماً مختلفاً يعكس حسّاً عالياً بالمسؤولية وضرورة التحرّك من أجل انقاذ الوضع.

وأثنى دوكان على حوار بعبدا الذي جمع كل رؤساء الأحزاب اللبنانية ورؤساء الكتل النيابية، ولفت إلى انه ينتظر منه أمرين:

الأول، ان تتحوّل الأفكار التي طُرحت في الحوار إلى مشاريع وقوانين إصلاحية في المجلس النيابي ومجلس الوزراء.

الثاني: تطبيق التشريعات المتوفّرة وغير المفعّلة.

لكن، نقطة واحدة اقلقت دوكان من خلال ما سمعه من بعض المسؤولين تتعلق باعتماد بعضهم على النفط، معتبرين انّ الأوضاع ستتغيّر والعجز سيزول ما ان يتمّ استخراج النفط. ويرى دوكان انّ هذا الكلام غير واقعي، لأنّ استخراج النفط لا يتمّ بعصا سحرية، وخصوصاً انه مرتبط بالمفاوضات التي تجري بين لبنان وإسرائيل عن طريق الولايات المتحدة. وهو يعتبر انّ المسألة قد تستغرق وقتاً طويلاً من المباحثات، وبالتالي على المسؤولين اللبنانيين التركيز على الطاقة الكهربائية والمائية، والمطلوب إصلاحات جذرية في القطاعين المذكورين، إضافة إلى التوصّل الى حل جذري وحضاري في موضوع النفايات.

واللافت انّ هذه القطاعات مرتبطة مباشرة بأركان العهد، ودوكان يعرف كيف يميّز بين المغلوب على أمره ومن يمنع الإصلاحات. وقد طلب من المسؤولين اللبنانيين البدء بالإصلاحات فوراً كحد أقصى في موازنة 2020 شرط ان لا تمرّ بالسيناريو والجلجلة التي مرّت فيها موازنة 2019.

ونصح دوكان بعض المسؤولين في الحكومة اللبنانية أن لا يلتفّوا على «سيدر»، من خلال اقناع البنك الدولي ومؤسسات التصنيف بإصدار تقارير إيجابية، تدفع الدول المانحة إلى تمويل المشاريع استناداً إلى هذه التقارير، لأنّ هذه الفذلكات «اللبنانية» لم تعد تمرّ على أحد.

في الختام، رحل بيار دوكان متفائلاً نظرياً وحذراً واقعياً، والعبرة في إرادة اللبنانيين في تنفيذ الإصلاحات، ليس تلبية لشروط الدول المانحة في «سيدر» انما خدمة لأنفسهم ولإنقاذ البلد.