IMLebanon

صدمة وذهول في تونس بعد زلزال الانتخابات الرئاسية

أظهرت نتائج جزئية الاثنين تقدما واضحا لمرشحين من خارج النظام في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التونسية الأحد وسط ذهول ودهشة المؤسسة السياسية الراسخة هناك، فيما يشبه الزلزال السياسي.

وقالت الهيئة المستقلة للانتخابات إنه بعد إحصاء 39 بالمئة من الاصوات، يأتي أستاذ القانون المحافظ قيس سعيد وقطب الإعلام المحتجز نبيل القروي في الصدارة وخلفهما بفارق بسيط مرشح حزب “النهضة” الإسلامي المعتدل عبد الفتاح مورو.

وسيمثل حفاظ هذين المرشحين على تقدمهما زلزالا سياسيا ورفضا قويا للحكومات المتعاقبة التي لم تستطع تحسين مستوى المعيشة أو إنهاء الفساد.

وظل القروي، الذي يوصف بانه “برلسكوني تونس”، يستخدم لسنوات قناة تلفزيون “نسمة” التي يملكها والمؤسسة الخيرية التي أسسها بعد وفاة ابنه لتقديم نفسه بطلا للفقراء ومعوضا لغياب الحكومة وتقصيرها، بينما يصفه منتقدوه بأنه شعبوي طموح يسعى للمتاجرة بآلام المهمشين والفقراء للوصول لكرسي الحكم.

وينفي القروي اتهامات التهرب الضريبي وغسل الاموال الموجهة له ويقول إنه يتعرض لحملة ممنهجة وسياسية يشنها خصمه الرئيسي رئيس الوزراء يوسف الشاهد بهدف إقصائه من السباق الرئاسي.

وتتناقض ثروته الهائلة والآلة الانتخابية الضخمة التي لديه تناقضا صارخا مع قيس سعيد الذي لم ينفق أموالا تذكر في حملته الانتخابية مما جعل تونسيون يتندرون قائلين إن كلفة حملته هي علبة سجائر وفنجان قهوة.

وبينما أنفق مرشحون مئات الآلاف من الدولارات على حملاتهم، لم يكن لسعيد لا مدير حملة ولا تمويلا بل فقط مقرا متواضعا من ثلاث غرف في مبنى قديم بوسط العاصمة وكان يعول على تبرعات متواضعة من متطوعين يدعمونه. ينتمي سعيد، الذي يتحدث الفصحى دائما كما لو كان في محاضرة بالجامعة، للطبقة المتوسطة على عكس أغلب الطبقة السياسية. ويقود سيارته القديمة ويقول إنه يفضل البقاء في منزله إذا تم انتخابه بدلا من الانتقال إلى القصر الرئاسي الفاخر في قرطاج.

ويدعم سعيد، صاحب النهج الاجتماعي المحافظ، تطبيق عقوبة الإعدام ويرفض المساواة في الميراث للرجال والنساء ويركز على اللامركزية في الحكم في بلد لدى ساسة العاصمة فيه قوة مهيمنة على نحو تقليدي.

ومع إحصاء 39 بالمئة من الاصوات، أظهرت النتائج الجزئية حصول سعيد على 19 في المئة من الاصوات، بينما احتل القروي المرتبة الثانية بنسبة 15 في المئة، وحل مورو ثالثا بحصوله على 13.1 بالمئة.

ووصف سعيد نتائج استطلاعات خروج الناخبين من مراكز الاقتراع التي أظهرت حصوله على معظم الأصوات، بأنها مثل ”ثورة ثانية“ قائلا ”ما حصل يحملني مسؤولية كبرى لتحويل الإحباط الى أمل“. وكان يشير إلى انتفاضة 2011 في تونس التي جلبت الديمقراطية وأطلقت شرارة انتفاضات الربيع العربي في المنطقة.

ومن أقوى الساسة الذي نافسوا رئيس الوزراء يوسف الشاهد ورئيسا وزراء سابقان ورئيس سابق ووزير الدفاع إضافة إلى عبد الفتاح مورو رئيس البرلمان بالنيابة ومرشح حزب النهضة الإسلامي المعتدل. وقال الشاهد في وقت متأخر من مساء الاحد معترفا بالهزيمة “ما حصل هو نتيجة تشتت الصف الديمقراطي.. تلقينا الرسالة التي أرسلها الناخبون وهو درس يجب أن نفهمه جيدا”.

وتقام الانتخابات البرلمانية في السادس من تشرين الاول المقبل. وقال مسؤول من حزب النهضة إن حزبه يركز الآن أيضا على هذه الانتخابات، مضيفا أن النهضة مستعدة دائما للتوافق والنهج التشاركي في الحكم.

وفي ظل تدني نسبة الإقبال على التصويت التي بلغت 45 في المئة مقارنة بنسبة 63 في المئة عام 2014، تسلط النتيجة الضوء على الإحباط واسع النطاق من ضعف الاقتصاد وارتفاع البطالة وتردي الخدمات العامة وتجذر الفساد.

وسيمثل فوز القروي بالجولة الأولى صداعا دستوريا حقيقيا للمؤسسات الحاكمة في تونس وسيزيد التساؤلات بشأن مصير المرشح المسجون. وقالت هيئة الانتخابات إن القروي سيبقى في سباق المنافسة ما دام لم يصدر حكم نهائي يدينه.

وفي الوقت نفسه، قضت ثلاث محاكم متعاقبة بضرورة بقائه في السجن أثناء مواجهته التهم، على الرغم من شكاوى مراقبي الانتخابات من أن هذا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة مع بقية المرشحين لكن معارضيه يقولون إن استخدامه لقناته التلفزيونية غير قانوني وسبب كاف لإبطال ترشحه.

ومن غير الواضح أيضا ما إذا كان سيصبح رئيسا قانونا في حال فوزه في الجولة الثانية أيضا، إذا كان غير قادر على حضور أداء اليمين الدستورية أثناء وجوده في السجن أو ما إذا كانت الحصانة الرئاسية من المقاضاة ستطبق في قضية قائمة. ولم يتم بعد إنشاء محكمة دستورية يفترض أن تنظر في مثل هذه النزاعات الشائكة. وألقت السلطات القبض على القروي قبل أسابيع من الانتخابات بسبب مزاعم تهرب ضريبي وغسل أموال أثارتها ضده هيئة للشفافية قبل ثلاث سنوات.