IMLebanon

القوى المسيحية مُستنفرة

“فشخة” واحدة تفصل بين القاعة النيابية العامة واللجان المشتركة، حيث يخضع اقتراح قانون كتلة “التنمية والتحرير” الانتخابي لمعاينة ميدانية من نواب الامة الذين اجتمع معظمهم بحثا عن قواسم مشتركة، لن تجد ما يُنزل عليها هذه الصفة، في اقتراح يفتح ابواب الانقسام العمودي على مصراعيه في بلاد عاجزة تتناتشها الحصص والمصالح، قابعة تحت نير الفساد الذي يقودها الى الانهيار اذا لم تجد من يفرمله بإصلاحات جدية لم تبرز مؤشراتها العملية بعد.

وكما في الجلسة العامة حيث اراد البعض طبع اعتراض نواب المتن على ارجاء اقرار مشاريع لمنطقتهم بعد ان تم اقرار بند متعلق بانشاء سد في الضنية، بطابع طائفي نتيجة التقائهم من مختلف الاحزاب غير المتلاقية سياسيا على مشروع انمائي، سيسلك الالتقاء المسيحي نفسه، الطريق نحو الاعتراض على قانون انتخابي يرجّح الغلبة لفئة على اخرى ويسمح لها بالتحكم بـ”الريموت كونترول” الذي يدير البلاد عن طريق اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة استنادا الى النسبية.

الأسئلة ستبقى مفتوحة حول هذا الاقتراح ومضامينه، وتوقيت طرحه، واهدافه في لحظة غير مناسبة، ليس من زاوية عدم اهميته التي لا يختلف عليها اثنان بعدما اثبتت تجارب الماضي ان عدم منح قانون الانتخاب الوقت الكافي لدرسه واقراره شكل معبراً لفرض قانون مجحف بحق اكبر شريحة من اللبنانيين على مدى عقود، انما من ناحية وضعه في سوق التداول في احرج مرحلة تمر بها البلاد وتتطلب وحدة وتلاحما غير مسبوقين لاجتيازها عوض رمي اقتراحات من شأنها ان تظهر الشقاق الطائفي وتظهّر الانقسام في شكل فاقع.

ومع ان مصادر نيابية معنية تؤكد لـ”المركزية، حق وصلاحية رئيس مجلس النواب نبيه بري في طرح اقتراح القانون الانتخابي في اللجان النيابية المشتركة مباشرة من دون المرور في اللجنة او اللجان المختصة كون الاقتراح الانتخابي يخضع لاكثر من لجنة لا سيما الادارة والعدل والشؤون الخارجية، ليصار في ضوء المناقشة في “المشتركة” اما الى احالته الى اللجنة المختصة او عدمها، فإن اوساطا سياسية مسيحية تؤكد لـ”المركزية” ان خطوة الرئيس بري هذه التي يرى فيها بعض القوى المسيحية استهدافا له، لا سيما التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل، وحّدت الجبهة السياسية المسيحية وفتحت بينها قنوات التواصل لمواجهة الاقتراح. وفي هذا السياق، تكشف الاوساط ان اتصالات متسارعة جرت بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وليس الكتائب والمردة بعيدين منها، قفزت فوق كل التباينات والخلافات السياسية لتشكل سدأ منيعا في وجه ما تعتبره محاولة اسقاط الانجاز الانتخابي المتمثل بالقانون الحالي الذي بذلت اطراف مسيحية الغالي والنفيس وقدمت تضحيات كبيرة، في سبيل بلوغه، وليست في وارد السماح باطاحته راهنا.

واذ تؤكد ان المسألة لا تستهدف في اي شكل شخص الرئيس بري الذي تربطه بمعظم القوى المسيحية علاقة احترام ومودة، تعتبر ان الموقف الاساسي من القانون المقترح، وهو من طبيعة ميثاقية ينطلق من ثلاث نقاط رئيسية: الاولى، دقة وحراجة المرحلة ماليا واقتصاديا وتركيز الاهتمام على المعالجات الكفيلة بوضع حد للانهيار قبل اي شيء آخر، ولو كان بأهمية قانون الانتخاب. الثانية، ان الموضوع خلافي بامتياز، وللتذكير فقط، فإن السنوات التي سبقت اقرار القانون الحالي شهدت ما يكفي في هذا المجال من استنفار سياسي الى مقاطعة جلسات وصولا الى تظاهرات واعتصامات، فهل تسمح طبيعة الحقبة بخطورتها بالعودة الى الفرز الطائفي والمذهبي وهو شأن مرفوض. ثالثا، قانون الانتخاب في بلد كلبنان ونظامه يوازي اهمية السيادة التي لم تضرب الا من اجل ضرب الميثاقية والتوازن والدور المسيحي تحديدا وضرب التمثيل الصحيح.

لهذه الاعتبارات، تشدد الاوساط على ان القوى المسيحية على تنوع توزعها سياسيا لم تتمكن من اقرار القانون الحالي الا بفعل المصالحات في ما بينها، وهي غير مستعدة للتنازل عنه. وهي اذ تتجنب اي مواجهة، تتطلع الى تفهّم الشريك في الوطن حساسية الموضوع، وان اي قانون انتخابي يطرح يجب ان يجسّد اولا صحة التمثيل.

وتوضح ان في حال لم يؤخذ في الاعتبار وجوب ترك الاقتراح يشق مساره الطبيعي ويأخذ مجراه المفترض بعيدا من صفة الاستعجال، فإن الاتجاه الحتمي هو نحو خطوات تصعيدية بالتكافل والتضامن تمنع عبوره الى الهيئة العامة، مع التشديد على عدم اسباغه باللون الطائفي بل الوطني البحت.