IMLebanon

هل يلجأ الأميركيون إلى “الصدمة” مع لبنان؟

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

لو تعامل الأميركيون بقسوة مع لبنان، في موضوع العقوبات على «حزب الله»، لما تمكَّن من الصمود حتى اليوم. فالأوراق التي يستطيعون استغلالها في هذا المجال قوية وقديمة العهد. إنهم يمارسون سياسة «العصا والجزرة»، فهي أقلّ وجعاً للجميع. ولكن، هل يتصرَّف اللبنانيون بالطريقة التي تسمح لهم بأن يلتقطوا الجزرة الأميركية ويتجنّبوا العصا؟

يتحدث العارفون عن مُناخِ استياءٍ أميركي متزايد من لبنان، منذ بداية عهد الرئيس دونالد ترامب، وإذ يحرصون على تفهُّم الخصوصيات اللبنانية، لجهة التعامل الاضطراري مع «حزب الله»، بصفته أحد المكوّنات السياسية والطائفية الأساسية، فإنهم يأخذون على الحكومة اللبنانية وبعض الإدارات والأجهزة سلوكها المخادع في هذا الملف.

فالإدارة الرسمية اللبنانية لا تتورّع أحياناً كثيرة عن مساعدة «الحزب» مالياً وأمنياً، ثم تخفي هذه الحقائق أو تدّعي عدم معرفتها بها. ولطالما نقل الأميركيون رسائل إلى المسؤولين اللبنانيين يناشدونهم فيها: لا تخفوا الحقائق عنّا لأننا نعرف الكثير!

وهذا المناخ هو ما نقله مساعد وزير الخزانة مارشال بيلنغسلي إلى لبنان، مرّة أخرى، في زيارته السريعة أخيراً… وإن بدا ديبلوماسياً في كلامه أحياناً. وهذا ما أبلغه أيضاً إلى الرئيس سعد الحريري في زيارته واشنطن في آب الفائت.

وليس خافياً أنّ وزارة الخزانة الأميركية كانت أبلغت الى النظام المصرفي اللبناني، منذ عام 2016، بوجود شكاوى من عمليات التفافٍ على قانون العقوبات الأميركية الذي يستهدف «حزب الله»، يقوم بها بعض المصارف اللبنانية.

لكنّ الوفود اللبنانية التي زارت واشنطن ساعيةً إلى تجميد التدابير ضد لبنان، قدّمت الكثير من التطمينات والوعود، إنما لم يحدث تغيّر في الواقع. ويقول بعض المطلعين إنّ هذا الأمر أوحى للأميركيين أنّ الكثيرين من أركان السلطة السياسية في لبنان يفتقرون إلى النزاهة والصدقية، وإلى الاحتراف في إدارة شؤون البلد.

ولطالما سمع اللبنانيون من الأميركيين كلاماً مفاده: أننا نريد مساعدتكم للحفاظ على متانة قطاعكم المصرفي. ولذلك، نحن نعتمد أسلوب الضغط التدريجي الطويل الأمد. ولكن، لا تضطرّونا إلى أن نستخدمَ أسلوبَ الصدمة، أي الضربة الساحقة!

وهناك أوراق عدة يمكن أن يستخدمَها الأميركيون، والأبرز هي الدعاوى التي تقدَّم بها متضرّرون في الولايات المتحدة في حق مؤسسات مصرفية لبنانية. وأكبرها هي تلك التي قبلتها المحكمة، مطلع العام الجاري، وتتضمّن ادّعاء قرابة الألف شخص، وتستهدف 11 مصرفاً لبنانياً. والدعوى مبنية على ادّعاء أنّ هذه المصارف ساهمت في نقل أموالٍ لـ«حزب الله» وتبييضها، ما أدّى إلى دخولها النظام المصرفي الأميركي. وقام المدّعون بإبلاغ مصارف المراسَلة في نيويورك بالدعوى.

وقد تؤدي الدعوى إلى أن تعلِّق مصارف المراسَلة تعاملها مع السوق اللبنانية، ما يعني شلّ التحويلات بالدولار إلى لبنان. أو قد يتمّ تجميد الأرصدة فيها، تحت عنوان منع تهريبها من الولايات المتحدة، بناءً على طلب محامي المدّعين. وهذا يعوق القطاع المصرفي اللبناني.

وسيكون خطِراً أن تنفّذ الإدارة الأميركية تهديداتها باعتماد أسلوب الصدمة أو العقاب الجماعي ضد لبنان، لأنّ ذلك يتسبّب حتماً بالانهيار. لكنّ أكثرَ ما يدعو إلى القلق هو التوقيت، فالولايات المتحدة التي تمضي في إطلاق تحذيراتها تعرف جيداً، ومنذ زمن بعيد، أنّ هناك حالة من التعايش القسري بين مصارف لبنان و«حزب الله» وأمواله.

فلماذا التصعيد الآن؟ وهل في توقيت الضغط ما يؤشر إلى وجود خلفيات تتجاوز «حزب الله» والساحة اللبنانية؟

المطلعون يقولون: لبنان واقع في الوقت الحاضر على خط التماس الأميركي- الإيراني. فهو إحدى جبهات القتال. وارتضاء الدولة اللبنانية أن تتضامن مع إيران سيدفع الولايات المتحدة إلى التعامل معها على هذا الأساس. فبالتأكيد، تريد واشنطن القضاء على أجنحة إيران في الشرق الأوسط. و»حزب الله» أبرزها. وهي لن تسمح له بتجيير لبنان للنفوذ الإيراني، أيّاً كان العنوان.

وهنا يبدو عمق «الرسالة السياسية» التي حملتها البارجة «يو إس إس راماج» في زيارتها مرفأ بيروت، بعد تدريبات بحرية مشتركة مع الجيش اللبناني. فالأميركيون يعرضون العضلات لإيصال رسالة مفادها: نحن هنا، ومستعدّون لاستخدام أقصى قدراتنا العسكرية للدفاع عن أهدافنا، إذا اقتضى الأمر.

فالبقعة المتوسطية حيوية جداً على أبواب روسيا وأوروبا والعالمين العربي والإسلامي وإسرائيل، وحيوية جداً بثرواتها الغازية والنفطية المكتشفة. ولبنان في قلب الاهتمام الأميركي، سواءٌ على المستوى العسكري- الأمني أو على المستوى الاقتصادي، إذ سيكون عضواً جديداً في نادي الدول النفطية.

إنّ مجرد تصنيف مصرف لبناني هو «جمّال تراست بنك» متعاملاً مع «حزب الله» أدّى إلى «اختفائه» نهائياً عن الخريطة. فكيف الأمر إذا عمد الأميركيون إلى توسيع تصنيفاتهم لتشمل مساحات وأماكن أخرى أكثرَ أهمّيةً وحسّاسية؟

هنا يمكن إدراكُ المعنى الحقيقي لعبارة «أسلوب الصدمة». وعند أيِّ سقفٍ يمكن أن يتّخذ الأميركيون قراراً بوقف «أسلوب الضغط الطويل الأمد» واستخدام «أسلوب الصدمة» مع لبنان؟