IMLebanon

السخرية حتى “المهوار”! (بقلم يورغو البيطار)

صحيح أن الفيلسوف الألماني الشهير هيغل وصف السخرية بأنها “تعبير في أقصى ذروته عن الحاجة الإنسانية الى التحرر والاستقلال”، إلا أنه يبدو أن السخرية في لبنان تخطت حدودها المعتادة حتى باتت نمطًا حياتيًا يكتفي به اللبنانيون و”مسؤولوهم”، لمواجهة جبل المشاكل الجليدي الذي يحيط بهم من كل جانب ولم تعد حاجة للاستقلال بقدر ما هي تعبير عن العجز! وفي وقت ان السخرية التي يعتمدها بها قسم كبير من الشعب اللبناني في مواجهة مصاعبه توضع في خانة “لا حول ولا قوة”، فإن ما يمارسه المسؤولون اللبنانيون لمعالجة الملفات الضاغطة لا يمكن وصفهها الا بقمة السخرية السوداء التي قد تتحول سريعًا الى قعر لا مفرّ منه.

إنها سخرية من كل شيء، حتى ان كلامًا استفزازيًا لشريحة واسعة من اللبنانيين صدر عن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم يصنّف من لا يؤيد سلاحًا خارج الشرعية الرسمية بأنه مؤيد لإسرائيل لم يعد يثير سوى السخرية من معارضيه وسخرية مضادة من مؤيديه تجاه المستهدَفين بحفلة التخوين التي لا تنتهي في بلد يئن تحت وطأة ازدواجية قاتلة في القرار والسلاح والسيادة… فالغالبية العظمى من “السياسيين السياديين”، كما أحبوا يومًا ان يطلَق عليهم، لم تجد نفسها مضطرة حتى للرد على قاسم. وفي الحقيقة فإن في هذا القرار يبدو متناغمًا على الأقل مع قرارات مشاركة “الحزب” في الحكومة نفسها، وسط تجاهل مقصود لكل ما استجرّته ارتكابات هذا الحزب، داخليًا وخارجيًا، من ويلات على لبنان، وما زالت!

ولعل السخرية تبلغ مداها الأوسع اذا لاحظنا التعاطي المستهتر والساخر مع القرار الاتهامي الجديد الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في ثلاث جرائم ومحاولات اغتيال تضاف الى ملف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري… فإن كان المطلوب من المحكمة ان توقف عملها فليعلَن ذلك بشكل واضح خصوصًا وأن الحكومة اللبنانية تبدو غير معنية بما يصدر عن هذه المحكمة، بعدما أعلن احد اطراف هذه الحكومة المتهمين بهذه الجرائم “قديسين” لا يمَسّ بهم…، في وقت ان الاطراف الباقية غارقة مجددًا في سبات الاستسلام.

أمّا عن الوضع الاقتصادي المزري و”الضياع” المدوي التي تشهده الأسواق اللبنانية واختلاط الحابل الاقتصادي بالنابل السياسي، فحدث ولا حرج.. تخبّط لا مثيل له ينعكس سخرية لا تعرف حدودًا تجاه ما يعانيه المواطن من مخاوف بعضها واقعي وبعضها مفتعل، اللهم اذا لم يكن الامر برمّته مخططًا جهنميًا بدأت معالمه ترتسم شيئًا فشيئًا، خصوصًا ما يثار عن تهريب أموال بالملايين إلى أنظمة مجاورة ما يسبب تفاقم الأزمة المالية…

ويبقى الأنكى هي المعارك الجانبية والاستعراضات السياسية التي تتلون فصولًا وتتخذ أشكالًا تثير مجددًا السخرية المبكية – المضحكة وسط عجز لا مثيل فيتمّ الالتهاء والإلهاء بـ”معارك همايونية”. كل هذا والبلد عمليًا أصبح بأمر الواقع في قبضة طرف يجرّنا جميعًا نحو ما لا تحمد عقباه، ليس فقط سياسيًا وأمنيًا إنما أيضًا ماليًا واقتصاديًا خدمةً لمشاريع مدمّرة ستطيح الكيان بأسره… أليست سخرية قاتلة؟