IMLebanon

“المركزي” المحور الأساس للاستقرار الاقتصادي

لفت المدير العام المساعد ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات إلى أن سوق القطع لا تزال تشهد عمليات تحويل لصالح العملات الأجنبية “في وقت فرضت فيه المصارف اللبنانية ضوابط على عمليات التحويل والسحوبات على أجهزة الصراف الآلي، فيما تتجه الأنظار حالياً نحو التعميم المنتظر صدروه عن مصرف لبنان في الأول من تشرين الأول 2019 والذي سيحدد آلية لتمويل استيراد القمح والبنزين والدواء”.

وقال لـ”المركزية”: في ظل هذه الأجواء، وفي سياق الحديث عن شحّ بالدولار داخل السوق اللبنانية، يبرز تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الدولار متوفر، والمصرف المركزي يؤمّن السيولة بالدولار للمصارف على النحو المعتاد.

وفي هذا السياق، شدد على أن “المصارف لا تعاني أي مشكلة في التحاويل والودائع، إنما المشكلة تكمن في السحوبات من الصراف الآلي حيث تهافت البعض على سحب الورقة الخضراء والتحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، ومن ثم بيعه للصيارفة بأسعار تفوق السعر الرسمي، وبالتالي تنبّهت لها المصارف فوضعت حدوداً لعمليات السحب من الصراف الآلي”.

وتابع: لا نرى زعزعة للاستقرار المصرفي في لبنان في المدى المنظور كما يهوّل البعض، وذلك في ضوء المكانة التي تتمتّع بها عناصر الحماية المالية. إذ يتمثّل خط الدفاع الأساسي في صدّ أي خروج للودائع المحلية إلى الخارج، بحيث تمثل السيولة الأولية لدى القطاع المالي زهاء 40٪ من الودائع بالعملات الأجنبية. أي أنه في حال رغب 40% من المودعين في مغادرة لبنان ونقل أموالهم إلى الخارج، فإن المصارف اللبنانية تملك سيولة كافية لتلبية احتياجات هؤلاء المودعين. مع الأخذ في الاعتبار أن خلال أزمتيّ 2005 و2006، تم خروج ما يناهز 5٪ فقط كحد أقصى من قاعدة الودائع المحلية إلى الخارج. أما بالنسبة إلى خط الدفاع الآخر، فيتمثل في مستويات الرسملة القوية التي تحافظ عليها المصارف اللبنانية في حال التعرّض لضغوط، إذ وصلت نسبة ملاءة القطاع المصرفي إلى 17.9% في نهاية العام 2018 بحسب “بازل 3″، وفق آخر الأرقام المنشورة من قبل مصرف لبنان، ومعظمها أموال خاصة من الفئة الأولى، ما يشكّل تغطية مؤاتية للمخاطر الائتمانية والسوقية والتشغيلية من قبل الأموال الخاصة للمساهمين.

دور “المركزي”… وعن الحملة الإعلامية على حاكم مصرف لبنان، قال بركات: مما لا شك فيه أن مصرف لبنان لعب دوراً هاماً خلال مرحلة تولّي رياض سلامة الحاكميّة، تمحور بشكل رئيسي حول المحافظة على سلامة أوضاع النظام النقدي والمالي والمصرفي وتطوير وتنظيم عمل المصارف من خلال المراقبة الحثيثة لأنشطة المصارف الكفيلة بحماية المودعين فيها. وقام في سبيل هذه الأهداف، بوضع القواعد التنظيمية وتحديد النِسب الاحترازية الواجب الاحتفاظ بها، ناهيك عن تطوير وتنشيط السوق النقدية والمالية باعتبارها أسواقاً داعمة للنشاط المصرفي. أضاف: وقام مصرف لبنان قدر الإمكان، في ظل شبه غياب للسياسات الاقتصادية الأخرى في مرحلة ما بعد الحرب، بتغطية الأدوار الماكرو اقتصادية والمالية والنقدية كافة ليصبح المحور الأساسي الذي يعتمد عليه الاستقرار الاقتصادي الذي نشهده اليوم على رغم التحديات الاقتصادية العامة في ظل بيئة سياسية ضاغطة محلياً وإقليمياً. وبات المصرف المركزي اللبناني في عداد أهم المصارف المركزية حول العالم، مع تعزيز احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية مما يقارب مليار دولار عند تسلم رياض سلامة الحاكمية في آب 1993 إلى ما يقارب 38 مليار دولار اليوم، ما يوازي 79% من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، وهو ضعف النسب المماثلة في البلدان ذات التصنيف المماثل.

ورأى أن “من أجل ديمومة الاستقرار في الأفق، يجب أن تتضافر كل الجهود لإرساء إصلاح مالي يؤمّن الهبوط الآمن في الاقتصاد اللبناني بشكل عام”.

شروط الاستقرار النقدي: وعن شروط الحفاظ على الاستقرار النقدي من الآن فصاعداً، قال: هناك حاجة ملحّة وآنية لاحتواء الاختلالات المالية القائمة من أجل الحفاظ على الاستقرار النقدي في البلاد. من هنا تبرز أهمية قيام الدولة اللبنانية بإصلاحات جذرية على صعيد المالية العامة التي تبقى مكمن الاختلال الأبرز في الاقتصاد اللبناني، وبالتالي أهمية الالتزام بعجز موازنة العام 2019 الذي تم إقراره من قبل الحكومة ومجلس النواب، أي في حدود 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بالترافق مع إقرار موازنة تقشفية وإصلاحية للعام 2020 ضمن المهل الدستورية والإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء لخفض عجز مؤسسة كهرباء لبنان الذي يشكل 38% من العجز الإجمالي للدولة اللبنانية. يبقى القول إن على رغم الاختلالات القائمة في لبنان حالياً ولا سيما على المستوى الخارجي ومستوى المالية العامة، ما زالت المخارج متاحة وإذا عززنا الجهد الإصلاحي، من التقشف على صعيد الإنفاق إلى تحفيز تحصيل مداخيل الدولة ومكافحة التهرّب الضريبي، إلى تعزيز نِسب الاقتطاع إلى الحوكمة على صعيد الإدارة العامة، يمكن بالتالي أن ننتقل إلى مرحلة الاحتواء التدريجي للمخاطر الكامنة كشرط أساسي للنهوض الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل الأجل.

العقوبات… وتطرق بركات إلى العقوبات الأميركية على “حزب الله”، فقال: إن قواعد الامتثال المفروضة والعقوبات الدولية الصارمة حول العمل المصرفي تشكل أبرز التحديات التي يواجهها القطاع المصرفي اللبناني الذي برهن باستمرار عن التزام أساسي بالمعايير الدولية. على سبيل المثال، كان التجاوب السريع من قبل السلطات النقدية مع قضية العقوبات على مصرفي اللبناني الكندي والجمّال بما لا يتعارض مع متطلبات السلطات النقدية الأميركية قد ساعد على تطويق هاتين الأزمتين ومحاصرة المخاطر المرتبطة بها. كما برهنت المصارف اللبنانية أنها تلتزم قواعد الامتثال العالمية المطبّقة عليها كذلك، بحيث كانت المصارف اللبنانية بين السبّاقين في اتخاذ القرار بالامتثال لقانون FATCA وتنفيذ مضمونه بالتواريخ المحددة فيه تماشياً مع الاتجاه العام بالتقيّد المطلق بالمعايير الدولية، ناهيك عن التزامها التام بالإجراءات الدولية التي تفرض عدم التعامل مع مؤسسات أو شخصيات تشملها العقوبات. من هنا، وفي سياق الحرص على احترام الالتزامات والإجراءات الدولية، لدى المصارف اللبنانية كل القناعة بالقيام بأي إجراءات من شأنها حماية أموال المودعين وتمتين الاستقرار الداخلي.