IMLebanon

لبنان يقف أمام «تسوية عرجاء» وتعويمها ينقذ الحكم والحكومة

كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:

فوجئ الوسط السياسي في لبنان، مع اقتراب مجلس الوزراء من إقرار مشروع قانون الموازنة لعام 2020 في موعده الدستوري، بتجدّد الاشتباك السياسي على نحو غير مسبوق، على خلفية تبادل الاتهامات المترتبة على نزول المحتجين إلى الشارع احتجاجاً على تفاقم الأزمة الاقتصادية، من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج.

لكن الجديد في تجدّد الاشتباك السياسي يكمن، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، في أنه لم يقتصر على المكونات الرئيسية المشاركة في الحكومة، وإنما انسحب هذه المرة على علاقة بعضها برئيس الجمهورية ميشال عون، من خلال اتهام الفريق الوزاري المؤيد له بأن هناك مَن استغل النزول إلى الشارع، وعمد إلى استهداف أبرز رموز الدولة، أي الرئيس الماروني الذي هو رأس السلطة في لبنان.

وأشار إلى أن الاشتباك السياسي تلازَمَ مع البحث عن مخرج لتأمين فتح اعتمادات مالية بالدولار لاستيراد المشتقات النفطية والأدوية والقمح «وهذا ما تأمّن لاحقاً من خلال التدبير الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد تلقيه جرعة غير مسبوقة للدفاع عن السياسة النقدية التي يتبعها للحفاظ على الاستقرار المالي، صدرت عن البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته، الأحد الماضي، إلى جانب دفاعه عن قيادة الجيش في وجه الهجمات التي تستهدفها».

ولفت المصدر الوزاري إلى أن «ما صدر عن البطريرك الراعي كان موضع ترحيب تجاوز الساحة المحلية إلى الإقليم والمجتمع الدولي»، وأوضح أن «التعميم الذي أذاعه سلامة كان موضع تشاور بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل وجمعية المصارف، خصوصاً أنه ربط فتح الاعتمادات بقيود لمنع استنزاف احتياط مصرف لبنان بالعملات الصعبة، من غير أن يدعمه بأموال جديدة».

واعتبر أن «فرض هذه القيود في حاجة إلى آلية أمنية وقضائية ورقابية لتوفير الحماية لأسواق الصرف وتبادل العملات، خصوصاً أن عدم حصول تحويلات بالعملات الصعبة من لبنان إلى الخارج، في ظل احتدام الأزمة الاقتصادية والمالية يدعو إلى الاطمئنان حيال السيطرة على هذه الأسواق».

ولا يؤيد المصدر ما تردد ويتردد عن أن التعرض لرئيس الجمهورية ممن نزلوا إلى الشارع جاء بناء على أمر عمليات حظي برعاية المعترضين على توجهه للحوار مع النظام في سوريا لتأمين عودة النازحين، وقال: «لا يجوز إقحام عودة النازحين بالحركة الاحتجاجية، خصوصاً أن ترحيب دمشق باستقبالهم، بلسان وزير الخارجية وليد المعلم، في خطابه الذي ألقاه من منبر الأمم المتحدة لا يُصرف في مكان، على الأقل في المدى المنظور، ما دام أنه ربط إعادتهم بتأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات والمباشرة بإعادة بناء القرى والبلدات المهجرة».

ورأى أن لا مصلحة لرئيس الجمهورية في أن يتحول مجلس الوزراء إلى ساحة حرب بالمعنى السياسي للكلمة تُقام في قاعته المتاريس «لأنه سيكون المتضرر الأول، ولا أظن أنه يتصرف هكذا مع اقتراب دخول ولايته الرئاسية عامها الرابع». وأضاف أن «مجرد إحداث صدمة إيجابية تدعو إلى التفاؤل بتوفير الحلول، ولو على مراحل، للأزمة الاقتصادية المالية في الإفادة من مقررات (مؤتمر سيدر)، سيسجل في خانة الإنجازات للعهد القوي الذي هو في حاجة إليها».

ويتوقف المصدر الوزاري أمام ارتفاع منسوب التأزم السياسي، سواء في داخل الحكومة أو بين بعض أطرافها ورئيس الجمهورية، ويرى أن للأخير القدرة على خفض منسوبه «بدلاً من إقحام البلد في لعبة تصفية الحسابات التي سيتضرر منها الجميع بلا استثناء».

ويُعتقد أن لرئيس الجمهورية دوراً في إعادة الاعتبار للتواصل والحوار، بدءاً بالمكونات المشاركة في الحكومة «بدلاً من إغراق البلد في حالة من الفلتان يصعب السيطرة عليها، وبالتالي فإن المصلحة تقضي بأن يبادر إلى الانفتاح على الجميع، بمن فيهم مَن هم على خلاف معهم، وهذا يتطلب منه سعة الصدر وعدم التوقف أمام بعض الحملات التي استهدفته ومعه رئيس الحكومة ومسؤولون آخرون».

ويخلص المصدر إلى أنه «لا يبدو أن هناك مَن يُعِدّ لمؤامرة تستهدف الرئاسة الأولى، وبالتالي فإن لجوء بعض مَن هم في فريق عون السياسي إلى التلويح بالاقتصاص ممن استهدفوا الرمز الأول في الدولة، من شأنه أن يدفع في اتجاه تعقيد الأمور، من دون أن يعني هذا الكلام أن هناك مَن يتعاطف مع كل من حاول الإساءة إليه».

وشدد على أن «هناك ضرورة لتضافر الجهود بغية تفكيك الاشتباك السياسي، وإبطال فاعليته، في التأثير السلبي على التضامن الحكومي، في وقت تتطلع فيه الأنظار إلى إقرار موازنة العام المقبل بالتعاون مع المجلس النيابي لتأتي برمتها على قياس الاستجابة للتعهدات اللبنانية أمام مؤتمر سيدر، بما يعبد الطريق للإفادة منها للنهوض بلبنان من أزماته المالية والاقتصادية».

وفي هذا السياق، يسأل المصدر الوزاري عن جدوى تنظيم حملة ضد سلامة يرعاها عدد من المنتمين إلى «التيار الوطني الحر»، بذريعة أن وجوده لأكثر من عقدين على رأس حاكمية المصرف المركزي بات يتطلب اختيار مَن يخلفه، ويقول إنه «لا مبرر لمثل هذا الهجوم، وهل تأتي المطالبة بإعفائه من منصبه من باب مكافأته على دوره في الحفاظ على الاستقرار النقدي؟».

كما سأل عن جدوى إصرار «التيار الوطني» على خوض المعارك المفتوحة ضد معظم المكونات في الحكومة «بدلاً من أن يمون على القيادي فيه النائب زياد أسود ويطلب منه وقف حملاته التي كانت وراء تأجيل الحوار الذي كان سيقيمه تيار المستقبل مع الوزير جبران باسيل»، فتأجيل الحوار لم يكن إلا رسالة لباسيل على خلفية أنه لم يصدر منه أي رد على أسود مع أن مجرد تأجيله كان في محله لقطع الطريق على تصاعد المعارضة بداخل «المستقبل»، احتجاجاً على استضافته.

كما أن «التيار الوطني» يتحمل، بحسب المصدر الوزاري، مسؤولية تفخيخ الأجواء السياسية داخل الحكومة، تارة بتحميله حزب «القوات اللبنانية» مسؤولية وقوفه وراء بث الشائعات ضد رئيس الجمهورية، وتارة أخرى بوقف الحوار مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي انتقد، كما يقول مسؤول بارز فيه، «عدم التوازن القضائي» في التعاطي مع حادثة قبرشمون.

وعليه، فإن «الحريري لن يلتفت إلى الحملات التي تستهدفه وينصرف إلى التحضير لإعداد الموازنة من جهة ولرزمة الإصلاحات المالية والإدارية لخفض العجز في موازنة 2020»، لكن هذا لا يعني، كما يقول المصدر الوزاري، أن التسوية السياسية ما زالت في أمان «بل أُصِيبت باهتزاز، وكادت تتحول إلى تجربة عرجاء، والمسؤولية لا تقع على عاتق الحريري الذي ينأى بنفسه عن الدخول في السجالات وتبادل الحملات الإعلامية والاتهامات السياسية، إنما تقع على الشريك الآخر فيها».

وبكلام آخر، فإن «إنقاذ التسوية من الاهتزاز يعيد الاعتبار للحكومة وللعهد في آن، وإلا فإن تجويفها من مضمونها سيرتد سلباً على الجميع من دون استثناء، أي الحكومة والحكم، لأن لا مجال للجوء لخيارات غير مدروسة تأخذ البلد إلى المجهول».