IMLebanon

لا… ليس الإعلام مسؤولاً! (بقلم رولا حداد)

لا، ليس الإعلام مسؤولاً عن أزمات البلد المتراكمة، وآخرها سلسلة أزمات الوضعين المالي والاقتصادي.

لا، ليس الإعلام مسؤولاً عن غياب هيبة الدولة واستمرار السلاح غير الشرعي، وعن استمرار التفلّت الأمني وعمليات الخطف مقابل فدية والسرقات وغيرها.

لا، ليس الإعلام مسؤولاً عن عدم تطبيق دستور الطائف من حلّ الميليشيات، مروراً بتحقيق اللامركزية الإدارية الموسعة وإقرار قانون انتخابات على أساس المحافظات بعد إعادة النظر بالتقسيم الإداري، وصولاً إلى عدم البدء بمسار إلغاء الطائفية من البلد.

لا، ليس الإعلام مسؤولاً عن الفساد المستشري وعن المحاصصة والصفقات والسمسرات، وعن انتفاخ الدولة والإدارات نتيجة تعيين الأقرباء والمحاسيب والأزلام.

لا، ليس ليس الإعلام مسؤولاً أيضاً عن العجز في الميزان التجاري وعن الضغط على الليرة وارتفاع سعر تصريف الدولار!

لا، ليس الإعلام مسؤولاً عن سلسلة الإضرابات الموعودة وعن ابتزاز المواطنين بلقمة عيشهم وبالمحروقات!

أمام العجز المتمادي لبعض المسؤولين في لبنان لم يبقَ أمامهم غير الإعلام ليكون “كبش محرقة” إرضاءً لفشلهم ونزواتهم الساديّة. هكذا هبّت نخوة عدد من هؤلاء المسؤولين إما لرفع السيف في وجه حرية الإعلام، وإما للتطبيل لمن يسلّط هذا السيف على رقاب المؤسسات الإعلامية والإعلاميين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

ليس هكذا تُورد الإبل يا سادة. نحن نعيش في لبنان الذي يحفظ دستوره الحريات العامة والخاصة، وفي مقدمها حرية التعبير عن الرأي التي تشكل خطاً أحمر يوحّد جميع اللبنانيين، وخصوصاً بعد أن دفعوا ثمن هذه الحريات غالياً من أعواد مشانق جمال باشا السفاح وصولاً إلى دماء الشهيدين سمير قصير وجبران تويني والشهيدة الحية مي شدياق أطال الله عمرها.

إن التصريحات المسيئة للوضعين المالي والاقتصادي تطلقها يومياً أكثرية المسؤولين من رؤساء ووزراء ونواب، وتكتفي المؤسسات الإعلامية والإعلاميين بالتعليق على تصريحاتهم ليس أكثر.

أما المفارقة فتكمن في غباء الساعين إلى قمع حرية الإعلام والصحافة في لبنان، إذ كيف سيتمكنون من قمع الإعلام الغربي الذي يعرّي أوضاعنا وممارسات مسؤولينا بشكل شبه يومي؟!

تذكرني أحوال بعض المسؤولين في لبنان بذاك الذي أضاع محفظته في شارع مظلم فذهب يبحث عنها في شارع آخر مضاء!

نعم، إن المطلوب من المسؤولين اليوم أن يبادروا إلى معالجة المشاكل المالية والاقتصادية، لا أن يحاولوا قمع من يتحدث عنها، لأن القمع إذا نجح مؤقتاً، وهو لن ينجح حتماً، فإنه لن يحلّ المشاكل العالقة والتي تتطلب إجراءات إصلاحية في الاقتصاد والسياسات المالية لا إجراءات قمعية تزيد من النظرة الغربية السلبية حيال السلطة في لبنان وأدائها وممارساتها التي لا تدعو إلى أي تفاؤل!

يقول السيد المسيح في إنجيله المقدس: “إن لم يبنِ ربّ البيت فعبثاً يتعب البناؤون”، ونسمح لأنفسنا بالتصرف بهذا القول المقدّس ليصبح كالآتي: “إن لم يبادر المسؤولون إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية وفوراً فعبث يُطلب من الإعلاميين أن يحاولوا تجميل صورة قبيحة لواقع اقتصادي ومالي كارثي!