IMLebanon

نادين جوني… ضربة موت ولا ضربة رجل

كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”:

أخبرتني نادين جوني، في واحدة من المرّات القليلة جداً التي التقينا فيها، أنّ الرجل والمرأة شبه متساويين في الظلم والخضوع في لبنان. الاثنان خاضعان لنظام سياسي ديني اجتماعي ذكوري يسلب المرأة حقوقها في حضانة أولادها ويحرم الرجل من أحلامه، يسرق من المرأة حريتها ويحرم الرجل من طاقاته، يسجن المرأة في بيتها الزوجي ويفرض نير عبودية مالية وطائفية على الرجل…

أكّدت لي أنّ الاثنين شِبه متساويين، إلّا أنّ الرجل لم يتضامن مع المرأة لمواجهة هذا الظلم، بل فرضَ ظلماً آخر عليها وأخضعها، فأصبحت ضحية الضحية، وأصبحت ضعيفة لدرجة أنّ جلّادها يتمتّع بهذا القدر من الحقارة والنذالة… فلم يترك لها شَرف محاربة الأقوياء، بل ذلّها وأسكتها وسجنها في معركة مع كائنات ضعيفة.

ونادين كانت مقتنعة أنّ تلك الكائنات، التي تسمّي نفسها رجالاً، وتلبس قناع الزوج في المجتمعات، وتقلع قفّازات الوحشية خلف جدران المنزل… كانت مقتنعة أنها كائنات ضعيفة، ولا بدّ أن يأتي يوم وتنتصر عليها وتستردّ حقوقها من زلاعيم شرائعها وقوانين طوائفها وأحكام سياسييها.

نادين جوني توفيت في حادث سير مأساوي في الدامور عن عمر 29 سنة، بعدما قضَت سنوات شبابها تخوض معارك نضالية وحقوقية لاسترداد ابنها «كرم» الذي حرمت منه بفِعل قرار محكمة شرعية منعها من حضانته. نادين انظَلمت في زواجها، وانظَلمت في أمومتها، وانظَلمت في طلاقها، وحُرمت من أبسط حقوقها الإنسانية في أن ينادي لها ابنها «يا ماما»، بعدما أبعده عنها زوجها الذي كان يعنّفها لسنوات. إنظَلمت ولم تترك للضعف مكاناً، فسكنت الشوارع واستقلّت المظاهرات المطلبية، ورافقت الجمعيات النسوية والحقوقية، وحوّلت صوتها إلى سلاح في وجه الذكورية البلهاء، وجعلت أيامها المليئة بالحرقة والأسى إلى بطولات ونضالات، وكانت مثالاً للشجاعة والإصرار أمام النساء والأمهات الهاربات من وجع منازلهنّ الزوجية، أو من مرارة الأحكام الشرعية، أو من نظرات المجتمعات الرجعية.

نادين جوني لم تكرّس حياتها للمطالبة بحقوق النساء المظلومات فقط، بل استطاعت أن تلقّن الرجال درساً وتعلّمهم كيف يجب أن يكونوا رجالاً حقيقيين يستحقّون لقب زوج أو أخ أو أب أو صديق… نادين لم تكن تحبّ الحديث عن مشاكلها وحسرتها، بل كانت تفضّل إخبار من حولها عن أحلامها وطموحاتها، وكانت كلها أمل في تحقيق مطالبها والانتصار على الظلم الذكوري في يوم ما… مرّت الأيام ولم تر ذلك اليوم، بل تلقّت ضربة من الموت الذي كان أرحَم عليها من ضربة الرجل. موت لن يبدّل شيئاً على ابنها الذي كان يتيم الأم وهي حيّة، ولن يبدّل شيئاً على زوجها الذي سلبها الحياة وهي تنبض، ولن يبدّل شيئاً على مجتمع كان يدقّ كل يوم مسماراً إضافياً في نعشها.

نادين أنت رحلت وأبكيتِ الجميع ممّن عرفوك أو لم يعرفوك، لكنّ المحزن والمبكي أكثر من موتك هو اننا سنتكلّم في موتك فقط، ولن نتكلّم أو نناضل من أجل القضايا التي كرّستِ حياتك لها… المحزن أنك ذهبتِ وأخذتِ وجعك وحرقتك معك، وتركتِ آلاف النساء والامهات يَعشن يومياً مع وجعهنّ، ويتمنيّن الموت ألف مرّة على الحياة التي منحها لهم رجالهم.

لكن رجاءً يا نادين، عندما تصلين إلى الجنة وتقابلين ربّنا، إسأليه إذا كان راضياً على أحكام رجال أديانِه، وأخبريه أنّ المرأة التي كرّمها بين أنبيائه وفي كتبه السماوية تُهان ويُنتهك شرفها كل يوم باسمه.

نادين جوني، قضيتك هي واحدة من القضايا القليلة في لبنان التي ليس فيها ليرة ودولاراً، هي واحدة من القضايا القليلة التي يمكن حلّها بالوعي والأخلاق، ولكن إذا كان ينقصنا شويّة دولار فلا شكّ انه ينقصنا الكثير من الأخلاق.