IMLebanon

الهاتف الخلوي يحتل كل المراكز في حياتنا

كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:

 

رافقت دينا ابنها شربل، البالغ من العمر اثني عشر عاماً، إلى عيادة معالج نفسي، وذلك لمساعدته في التخلّي عن هاتفه الخلوي. فهي تقول: «يجلس شربل معنا لكنه لا يهتم لوجودنا، لا يناقشنا بأموره، بل عيناه معلّقتان بشاشته الصغيرة، يبتسم لها حيناً ويحزن حيناً آخر، حتى باتت هي رفيقته من الصباح حتى المساء، وقد حلّ وقت العودة إلى المدرسة، فكيف نقنعه بترك الهاتف طوال اليوم»؟
نتساءل عن سبب اهتمامنا بالهاتف المحمول، محيدين النظر عن الأشياء التي شغل محلها في حياتنا، فهو بعد دوره في التواصل وإجراء المخابرات المجانية عبر تطبيقات عدة، قد أصبح بديلاً للمفكرة التي كنا ندوّن فيها يدوياً أسماء وأرقام الأقارب والأصحاب والأطباء وغيرهم. وبعد… ألم يحتل مكان ألبومات صور مناسباتنا بأجمعها؟ ألم نتمكن بفضله من تصوير ما لذّ لأعيننا بلحظة واحدة؟ ألم يقضي على الرسائل الورقية المحمّلة بالأشواق والدموع والإبتسامات؟ ألم يمكننا من شراء الملابس والمآكل والحلي والمفروشات بكبسة، واضعين رقم البطاقة الإئتمانية؟

يعاتب ميلاد حبيبته لأنّها لم ترسل له صور ورود وقلوب على “الواتساب” مع تحيّة الصباح، ما يدلنا الى أهمية الهاتف في تقريب المسافات بين الأحباء؛ إلّا أنّ العكس يحصل مع فريدي، الذي تعاقبه خطيبته بـ “بلوك” كلما تأخّر في موعده أو أساء في تصرّفه معها.

هل فكرنا يوماً أنّ هذا الهاتف الصغير الحجم يلعب دور صالة اجتماعات تتسع لعشرات من الأشخاص؟ ففي شركات عدة حول العالم، يجتمع المدراء وفِرق العمل عبر “سكايب” وغيرها، حيث يكون كل منهم في بلد، وفي قارة مختلفة؛ فقد ألغى الهاتف بذلك المسافات والحواجز.

كما اننا نتعرف الى شخص غريب عبر “تشات”، فعندما أرسل عمر طلب صداقة إلى بيتي، وقبلته، لم يكن عليه تحديد موعد ومكان معها للقاء، بل كان الأمر أسهل من ذلك بكثير: فتح الكاميرا ورؤيتها لساعات وساعات “لم تكن طريقة التعارف سيئة، عرفت بلحظة إذا كان شكلها يعجبني أم لا، وعلى أساس ذلك التقينا، دون إرباك أنفسنا بالمواعيد التقليدية”، قال عمر.

ألا نستعمل الهاتف أيضاً كوسيلة لإلهاء الأطفال؟ خصوصاً عندما يصابون بالمرض وارتفاع الحرارة؟ ألا تمرّ الساعات علينا ونحن نتلهى بالألعاب الإلكترونية؟ وهل من عائلة خالية من مدمن على هذه الآفة؟

وكيف ننسى دور الهاتف في التخصّص العلمي عن بُعد والمشاركة في الدورات التدريبية والحصول على شهادات معترف بها.

تعمل منى في مجال التسويق للأدوات الطبية وذلك عبر الهاتف، فهي تتواصل مع الزبائن عبر إرسال رسائل خطية لهم، وتجني من هذا العمل المال الوفير، ولا تحتاج معه لا لمكتب ولا سيارة ولا كلفة مواصلات، فهي تعمل من غرفتها مرتدية ملابسها المريحة.

أصبح الهاتف الخلوي رفيقنا في كل زمان ومكان، ونكذب إذا قلنا إننا نستطيع أن نستمر من دونه في هذه الحقبة من التطور والتكنولوجيا، إلا أننا نخطئ عندما نجعل أنفسنا رهناً له، وهو أداة وُجدت لخدمتنا ولتسهيل أمورنا الحياتية.

فأصبح يحتل مكان الأشياء والأفراد، ويُبعدنا عن أفراد العائلة والأحباب والأصحاب والرفاق، ويأخذنا نحو عالم إفتراضي غير واقعي، ما يؤدي إلى مشكلات وصراعات شخصية، بالإضافة إلى العزلة والوحدة، والقلق الشديد من فقدان هذه الوسيلة وما تقدّمه لنا، وربط كل ذلك بالإحباط وصولاً إلى الإكتئاب.

لسنا هنا بصدد الدعوة للتخلّي عن الهاتف الخلوي، بل للحدّ من سيطرته علينا وتحكّمه بنا وبعواطفنا، والإكتفاء باستعماله عند الحاجة، وعدم السماح له بالقضاء على علاقاتنا الإنسانية – الشخصية.