IMLebanon

لبنان تحت “رحمة” النيران… أين طائرات الإطفاء؟!

كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:

كأنه لا يكفي البلد الحرائق السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة المندلعة، حتى باغته غضب الطبيعة لتقضي الحرائق على مساحات واسعة من لبنان الأخضر، ما كشف عن فضيحة جديدة وإهمال “قوي” للدولة “القوية” تمثّل في عدم صيانة طائرات الإطفاء وترك البلاد تحت “رحمة” النيران التي “أكلت” الأخضر واليابس.

“بين تشرين وتشرين صيف ثانٍ”، هذه المقولة المأثورة التي يردّدها الأجداد أثبتت حرارة الطقس المرتفعة أنها أمر واقع، فاللهيب الذي يضرب لبنان حالياً أدى إلى حرائق متنقّلة، كان أبرزها حريق المشرف في الشوف.

لا يمكنك التوغّل عند مدخل الشوف الرئيسي من دون ملاحظة جمال الطبيعة، هناك يتمركز حاجز للجيش فتسألة أين الحريق في المشرف فيجيبك العسكري بعد 10 دقائق من هنا، واللافت أن البلدية توقف شرطياً عند مدخل البلدة لترصد الداخلين والخارجين.

تبدو المشرف بلدة منكوبة، وكأنه لا يكفيها ما عانته أيام الحرب اللبنانية، فأتت الحرائق على كل شيء، تلك البلدة عاشت أمس إستنفاراً غير مسبوق، فـ”العدو” إقترب من منازلها وحاصرها، وكان لا بدّ من ردّ فعل وهجوم مضاد لإيقافه بعدما زرع الخراب في الأحراج التي استحالت رماداً. ويروي أحد أبناء البلدة الذي شارك في إطفاء النيران أنه “عند الساعة الثالثة من فجر الإثنين إندلع الحريق وقد سارعنا إلى الإطفاء واتصلنا بالجهات المعنية في الدولة لطلب النجدة”.روايات كثيرة

تتعدّد الروايات حول سبب الحريق، فمنهم من يقول إنه مفتعل، وآخرون يحللون إندلاعه بسبب ارتفاع درجات الحرارة، في حين أن بعض سكّان البلدة يقولون إنه بعد منتصف الليل شهدت البلدة موجة رعد، ومن المرجّح أن تكون إحداها أصابت شريطاً حديدياً ما أدى إلى اندلاع حريق. صعوبات كثيرة واجهت فرق الدفاع المدني في الإطفاء، وقد شارك أيضاً فوج إطفاء صيدا وأفواج أخرى وسط إنتشار لعناصر الجيش اللبناني، ومن أبرز تلك الصعوبات، حسب عناصر الدفاع المدني، وعورة المنطقة وعدم وجود طرق زراعية، في وقت كانت الألغام هي العائق الأساسي أمام تقدّم فرق الإطفاء، ما دفعهم إلى الإعتماد على الخراطيم الطويلة للوصول إلى الحرائق قدر الإمكان.

مهما قيل لا يمكن وصف المشهد في المشرف، فشجر الصنوبر إتّشح بالسواد، تلك الأشجار المعمّرة احتاجت إلى عشرات وعشرات من السنوات حتى اكتسبت رونقها وجمالها، وما حلّ بالصنوبر حلّ بشجر السنديان. ومن جهة ثانية فإن رائحة الحريق منتشرة في أرجاء المنطقة وتكاد تخنق المارة، كذلك، فإن الرماد منتشر تحت الشجر المحترق ويتطاير في الهواء، وقد وصل الحريق إلى جانب جامعة رفيق الحريري والبيوت المنتشرة هناك.

وأمام هول الحريق حاولت طائرة إطفاء تابعة للجيش اللبناني التدخّل لكن وجود خطوط توتّر عالٍ منع ذلك، فاقتصرت عملية الإطفاء على عناصر الدفاع المدني وإطفاء صيدا والبلدية وأبناء البلدة.

الصنوبر والسنديان

وبعد الظهر إستطاع عناصر الإطفاء السيطرة على نحو 75 في المئة من الحريق، وانتقل العمل إلى التبريد كي لا يشتعل مجدداً خصوصاً في ظل الطقس الحار وسرعة الرياح.

ويصف رئيس بلدية المشرف زاهر أيوب عون ما حلّ ببلدته بالكارثة الكبرى التي لا تعوّض. ويقول لـ”نداء الوطن”: “التقديرات الأولية تشير إلى القضاء على أكثر من مليون ونصف مليون متر مربّع من المساحات الخضراء التي تتألف بمعظمها من أشجار السنديان والصنوبر”.

ويوضح أن “التحقيق في أسباب إندلاع الحريق مستمرّ، لكن الأساس يبقى حالياً السيطرة عليه نهائياً وعدم السماح باندلاعه مرّة ثانية، علماً انه من أكبر الحرائق التي تضرب لبنان إذ وصل إلى خراج 3 بلدات شوفيّة”. ويشير إلى أنّ “معظم الأراضي المحروقة هي مشاعات، في حين أن عملية حماية الأحراج كانت تحتاج إلى تضافر جهود البلديات والدولة ووزارة الزراعة، ففي السابق كان هناك ماعز في الأحراج، أما الآن فالأحراج لا تدخلها الحيوانات، وبالتالي لا قدرة لأحد على الإهتمام بها لأن المساحات شاسعة”.

أين الطائرات؟

ونظراً إلى صعوبة عملية الإطفاء، فقد استعان لبنان بطائرتين قبرصيتين متخصصتين للمساعدة على إخماد الحرائق، ما يطرح أسئلة عن الطائرات التي تمّ شراؤها عندما أعلنت جمعية “أخضر دايم”، التي ضمّت عدداً من الهيئات الإقتصادية وأركان القطاع الخاص ورجال أعمال وعدداً من الجمعيّات البيئية المبادرة العام 2008 لشراء طوافات للإطفاء، وتمكّنت الجمعية العام 2009 من شراء 3 طوافات سيكورسكي من طراز S-70A، بقيمة نحو 13 مليون دولار من تبرعات خاصة عندما كان المحامي زياد بارود وزيراً للداخلية، وقد توقفت الطائرات عن العمل، وهذا الأمر يطرح علامات إستفهام حول هذه القضية خصوصاً أن البلد يحترق وطائرات الإطفاء لا تعمل، وهذا الأمر يُحمّلهم مسؤولية كبرى لأن “الساكت عن حريق بلاده يعتبر مشاركاً في الجريمة” مهما بلغ من قوّة وجبروت.

من جهته، يؤكّد بارود لـ”نداء الوطن” أن “هذه الطائرات تمّ شراؤها بهبة قدّمت إلى الدولة اللبنانية، وتم إختيار هذا النوع من الطائرات نتيجة طبيعة لبنان الجغرافية وبناءً على طلب قيادة الجيش التي وضعت في تصرفها، لأنها تملك طيارين بينما الدفاع المدني وقوى الامن الداخلي ليس لديهما طيارون”.

ويشرح بارود أن سعة كل من الطائرات تتراوح بين 3500 ليتر و4500 ليتر ماء والأهم هو الزخم الذي تطفئ به الحرائق وهي تستعمل أيضاً للإسعاف”.

لكن الأسوأ هو في ما حلّ بالطائرات، حيث يشير بارود إلى أن “الهبة تضمّنت 3 سنوات صيانة إضافةً إلى مليون دولار كبدل عن قطع غيار، وبعد انقضاء الثلاث سنوات لم تكمل الدولة صيانتها ما تسبّب بإيقافها عن العمل”.

وما يدعو إلى الأسف هو استهتار الدولة بالثروة الحرجية وعدم إكتراثها بسلامة المواطنين خصوصاً أن الحرائق تصل إلى المنازل، إذ يكشف بارود أن “كلفة صيانتها هي 150 ألف دولار سنوياً فقط، وهذا الرقم لا يوازي كلفة حريق واحد ممكن أن يشبّ ويخلّف أضراراً لا تعدّ ولا تحصى”.

وبما أن هذه الطوافات موضوعة تحت إمرة وزارة الدفاع، فإن وزير الدفاع الياس بوصعب مطالَب بتوضيح للشعب اللبناني عن سبب هذا الإهمال، ولماذا لا تتحرّك الدولة لصيانة طوافات إطفاء الحرائق؟ ولماذا تتمّ الإستعانة بطوافات من قبرص؟ ولماذا ترتفع الصرخة عند كل حريق؟

إستنفار عام

وأحدث الحريق إستنفاراً عاماً في الدولة، وقد زارت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن المشرف صباحاً، ولدى وصولها أكدت أن طوافة الجيش تدخلت لإخماد الحريق في الجهة التي لا يوجد فيها توتر عال. كما أن هناك خوفاً من الألغام الموجودة ولهذا السبب نشهد حذراً في عملية الإطفاء.

ومواكبةً لموجة الحرائق التي ضربت المشرف، تم تفعيل غرفة عمليات جبل لبنان لادارة الكوارث والأزمات، بناء لتوجيهات محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي، لمتابعة عمليات إخماد الحريق.

وأجرى مكاوي إتصالا بمحافظ بيروت القاضي زياد شبيب طالباً منه المواكبة بأعمال الإطفاء عبر إرسال سيارات وصهاريج إطفاء، وتم إجراء إتصال من وحدة الحد من المخاطر والكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء في بلدية صيدا للمساعدة أيضاً. كما أشرف الأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع ورئيس اللجنة الوطنية لادارة الكوارث اللواء الركن محمود الأسمر على سير العمليات بالتنسيق مع قيادة الجيش. ووضع المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار كل إمكاناته لإخماد الحريق. وأعلنت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان عن عزل خطي توتر عال رئيسيين تسهيلاً لإطفاء حريق المشرف.

حرائق متنقلة

ولم تقتصر الحرائق على بلدة المشرف، بل تنقّلت في أكثر من منطقة زارعةً الخراب. فقد اندلع حريق في خراج بلدة شان العكارية، والتهم مساحة واسعة من الأراضي العشبية اليابسة، وبسبب سرعة الهواء إمتد ليطاول مساحات من أشجار السنديان والزيتون. وقد تمكن عناصر ومتطوعو الدفاع المدني من تطويق الحريق وإخماده قبل امتداده الى مساحات أخرى. ثم عملوا على تبريد الأراضي التي احترقت خوفاً من إشتعالها مجدداً.

وفي بلدة الدوير إلتهم حريق مساحة من الأعشاب اليابسة وامتد بسبب سرعة الرياح ليطاول أشجاراً متنوعة. وأتى حريق في عيدمون على مساحة من الأعشاب اليابسة والأشجار المتنوعة.

وأخمد عناصر من الدفاع المدني حريقاً شب في أعشاب يابسة وامتد ليطاول مساحة من الأشجار الحرجية في برسا – الكورة. كما أخمدت عناصر الاطفاء حريقاً شب في أكوام من النفايات في برسا أيضاً. وكذلك عملت العناصر على إخماد حريق شب في مساحة من الأعشاب اليابسة في كفريا – الكورة.

واندلع حريق في بلدة عاراي قضاء جزين، قضى على حوالى 7 دونمات من أشجار السنديان وغيرها، وعملت فرق من الدفاع المدني على إطفائه.

وشب حريق كبير في خراج بلدة صفاريه في منطقة جزين، وعمل الدفاع المدني على إخماده بصعوبة نظراً إلى شدة الرياح، وقد قضى على 45 دونماً من الأشجار الحرجية.

وفي كسروان، أخمدت فرق الإطفاء في الدفاع المدني حريقاً إندلع وأتى على مساحات من الأشجار الحرجية والأعشاب اليابسة في المعيصرة. كذلك أخمدت فرق الإطفاء في الدفاع المدني حريقاً أتى على مساحات من الأشجار الحرجية والأعشاب اليابسة في بلدة يحشوش. وأتى حريق على مساحات من الأشجار الحرجية والأعشاب اليابسة في بلدة العدرا.

تعميم

وبعد تفشّي ظاهرة الحرائق، أصدر المحافظ مكاوي تعميماً إلى القائمقامين أبلغ بموجبه “البلديات وإتحادات البلديات المشاركة في تحمل مسؤولياتهم لجهة تكليف أجهزة الشرطة والحراس لديهم تكثيف الدوريات في إطار المراقبة على مدار الساعة للأماكن الحرجية، بالإضافة الى مواقع التخييم والتنزه ومنع إضرام النيران لأي سبب كان، لا سيما الأشخاص الذين يعمدون الى إعداد المشاحر من أجل الحصول على الفحم تحت طائلة تغريم المخالف وملاحقته، وفق ما نص عليه قانون الغابات المعمول به، وإبلاغ مراكز الدفاع المدني في الأقضية والسلطات المختصة عن أي دخان يتصاعد مهما كان حجمه وصولاً الى إخماده وعدم تمدده حفاظاً على السلامة العامة”.